هذا حوار علمي بين سلفي وأشعري، يعرض بأسلوبٍ موضوعي بعيد عن الجدل العقيم والتعصب، ويبرز نقاط الاتفاق والخلاف بين المذهب السلفي الأصيل والمذهب الأشعري.
يعتمد الحوار على الأدلة من القرآن الكريم وأقوال السلف الصالح، ويقدَّم بصياغة أكاديمية دقيقة تخلو من الظنون والتخمين.
من هو الأقرب لمنهج الصحابة ؟ السلفي أم الأشعري؟
حوار بين سلفي وأشعري نبين فيه اوجه الإتفاق وأوجه الاختلاف.
1. في العقيدة
مفاهيم في العقيدة.
السلفي:
- أخي الكريم، في العقيدة نتّبع منهج السلف الصالح؛ نثبت ما أثبته الله لنفسه في القرآن والسنة بلا تأويل ولا تعطيل، وبلا تمثيل ولا تكييف، كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
الأشعري:
- وأنا كذلك لا أقول بالتمثيل ولا التشبيه، لكنّي أرى أن بعض النصوص تُحمَل على المجاز والتنزيه إذا كان ظاهرها يوهم التشبيه، وهذا منهج كثير من العلماء كالإمام النووي والبيهقي. التأويل عندنا تنزيه وليس إنكارًا للصفة.
السلفي:
- نفهم مقصدكم، لكنّ عدم التأويل أولى؛ لأن النبي ﷺ والصحابة لم يؤوّلوا.
- نثبت الصفات على ظاهرها اللائق بالله، مع نفي المماثلة: ليس كمثله شيء.
الأشعري:
- ونحن أيضاً نحتج بهذه الآية، لكنّنا نقول: إذا كان ظاهر النص يوقع في توهم التجسيم، فصرفه عن الظاهر أسلم. مثلاً: "يد الله"، عندنا تفَسر بالقدرة أو النعمة، حفاظاً على التنزيه.
السلفي:
- لكن التأويل قد يفتح باب التعطيل. ولو كان خيراً لسبقونا إليه الصحابة.
الأشعري:
والتأويل عندنا نوعان:
- تفويض المعنى: وهو ما عليه كثير من السلف.
- تأويل إجمالي أو تفصيلي: وهو مسلك علماء الكلام لدفع الشبهات.
السلفي:
- على كل حال، الخلاف بيننا قديم، لكنه في دائرة الاجتهاد. والأهم أن نتفق على الأصول: الإيمان بالله ورسوله، وتعظيم الوحي، واتباع السنة.
الأشعري:
- متفقون.
- والتعاون على الحق أولى من كثرة الجدال.
- كما قال الإمام الذهبي: ولا نحبّ أن نخوض في المتشابهات، بل نفوّض علمها إلى الله.
السلفي:
بارك الله فيك. الحوار الهادئ يقرب القلوب.
الأشعري:
- وفيك بارك الله.
- اختلافنا لا يمنع الاحترام، فالجميع يريد نصرة الدين.
2. في مسألة الصفات (الإثبات والتأويل)
- تعد مسألة الصفات الإلهية من أعظم مباحث العقيدة الإسلامية، وأكثرها تداولاً بين العلماء عبر القرون، لما تتعلق به من بيان كيفية الإيمان بالله تعالى وتنزيهه عن مشابهة خلقه.
1.// الإستواء
السلفي:
- نحن نثبت الصفات كما وردت، على ظاهرها اللائق بالله، بلا تكييف ولا تمثيل. هذا منهج السلف.
- وأدلتنا من كتبهم كثيرة، منها:
🔶 قول الإمام الأوزاعي:
- -- كنّا والتابعون متوافرون نقول: إن الله فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من الصفات.--
++ رواه البيهقي في الأسماء والصفات.
🔶 قول الإمام مالك في الاستواء:
- -- الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.--
++ رواه البيهقي واللالكائي.
🔶 قول الإمام أحمد:
- -- ثبت ما أثبته الله لنفسه، لا نزيد ولا ننقص.--
++ الرد على الزنادقة والجهمية
فهذه النصوص تؤكد أن الأصل هو الإثبات بلا تأويل.
الأشعري:
- لا نخالفكم في إثبات الصفات، لكنّنا نرى أن بعض الألفاظ يُصرف ظاهرها لئلا توهم التشبيه.
- ومن كتبنا أيضاً نصوص تُبيّن ذلك:
🔷 قول الإمام أبي الحسن الأشعري نفسه:
- -- نقول إن الله استوى على العرش استواءً يليق به، لا نقول استولى كما تقول المعتزلة.--
++ الإبانة عن أصول الديانة.
- وهذا يبين أن الأشعري لم يكن ينكر الصفات، بل يثبتها.
- لكن في مواضع المتشابهات، قال أئمتنا بالتأويل:
🔷 قول الإمام النووي في شرح مسلم (باب النزول):
- -- هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيه مذهبان:
- الأول: الإيمان به بلا كيف ولا تأويل.
- الثاني: تأويله بما يليق، مثل: تنزل رحمته، أو ملك من ملائكته.”
🔷 قول البيهقي في الأسماء والصفات:
- -- يحمل النزول على نزول الأمر والرحمة، لأن الله منزه عن الانتقال.--
إذن، التأويل عندنا ليس إنكاراً للصفة، بل تنزيه ودفع للتشبيه.
2.// معنى اليد والوجه (أمثلة تطبيقية)
- أوجه التشابه في معنى صفة اليد و صفة الوجه .
السلفي:
- اليد صفة أثبتها الله لنفسه.
- والصحابة لم يؤوّلوها.
- ومن النصوص:
🔶 قول ابن خزيمة:
- -- نثبت لله يدين كما وصف، بلا كيف.--
++ كتاب التوحيد.
🔷 قول ابن تيمية:
- -- السلف لم يثبتوا اليد بمعنى القدرة فقط، ولا بمعنى الجارحة، بل صفة تليق بالله.--
— بيان تلبيس الجهمية.
الأشعري:
- لكن ظاهر لفظ "يد" يوهم الجارحة، ولذلك أولها كثير من أئمتنا:
🔷 قول الإمام فخر الدين الرازي:
- -- اليد في حق الله تؤول بالقدرة أو النعمة.--
++ التفسير الكبير
🔷 الجويني (إمام الحرمين):
- -- الألفاظ الموهمة للتشبيه يجب صرفها إلى معاني التنزيه.--
++ الإرشاد.
- لكن مع ذلك… بعض الأشاعرة كالقشيري والبيهقي يثبتون اليد مع تفويض الكيف، وهذا قريب من مذهب السلف.
3.// مسألة العلو وفوقية الله
في مسألة العلو والفوقية.
السلفي:
- نثبت أن الله فوق العرش، كما ورد في القرآن:
- "﴿الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾".
ومن كتب السلف:
🔶 قول ابن المبارك:
- -- نقول: إن الله فوق العرش، بائن من خلقه.--
++ السنة لعبد الله بن أحمد.
🔶 قول الذهبي:
-- اتفق السلف على علو الله.--
++ العلو للعلي الغفار.
الأشعري:
- نحن نؤمن أن الله "فوق العرش" لكن بلا مكان ولا جهة.
- ومن كتب الأشاعرة:
🔷 قول البيهقي:
- -- الاستواء معلوم، والإيمان به واجب، لكن ليس استواء انتقال ولا تمكن.--
++ الأسماء والصفات.
🔷 قول فخر الرازي:
-- لو كان الله في مكان لكان جسماً، فالاستواء صفة فعل أو قهر.--
++ أساس التقديس.
🔷 قول الجويني (في آخر عمره):
- -- يا أصحابنا لا تشتغلوا بالكلام، وعليكم بمذهب السلف.--
++ النونية لابن القيم نقلاً عنه.
- (وهو تراجع مشهور بعد طول اشتغال بالكلام.)
4.// التفويض: نقطة الالتقاء
- ويقصد بالتفويض الامتناع عن تفسير المتشابهات أو تحديد معناها، مع الإيمان بها كما وردت وإرجاع علمها إلى الله.
السلفي:
- أكثر السلف فوضوا الكيفية، ولم يفوضوا المعنى.
🔶 قول ابن تيمية:
- -- التفويض كان عند السلف في الكيف لا في المعنى.--
++ درء تعارض العقل والنقل.
الأشعري:
- كثير من أئمتنا أيضاً تبنوا التفويض:
🔷 قول النووي:
- -- وهذا هو المختار: الإيمان بالنصوص مع تفويض معانيها المرادة.--
++ شرح مسلم.
🔷 قول المازري:
- -- الصحيح عندي مذهب السلف: الإيمان بلا كيف.--
++ المعلم بفوائد مسلم
- فالتفويض اللاهوتي هو نقطة اتفاق كبيرة بين المدرستين.
5.// الحكمة من الخلاف
- إن الخلاف الواقع بين السلفية والأشاعرة يحمل حكمة إلهية خفية لا يعلم سرّها إلا الله تعالى.
السلفي:
- الخلاف بيننا في منهج التعامل مع المتشابه، وليس في التوحيد.
الأشعري:
- ونحن نتفق على أصل الدين:
- وجود الله
- تنزيهه
- إثبات الصفات
- اتباع الوحي
- نبوة محمد ﷺ
السلفي:
- صحيح، والإنصاف واجب.
الأشعري:
- والاحترام المتبادل عبادة.
3. خلاصة
- يؤكد الحوار أن اختلاف المناهج كان له أثر في إثراء الفكر العقدي، وقد يحمل حكمة يعلمها الله وحده، ما دام الأصل هو احترام النصوص، وإجلال الله تعالى، واتباع سبيل الأنبياء والعلماء الراسخين.
