الوحدتان الايطالية والالمانية || تاريخ العالم

شكلت التجزئة السياسية لكل من إيطاليا والمانيا عرقلة كبرى لنمو الرأسمالية بهما، وهيمنت الإمبراطورية النمساوية على جل الدويلات القائمة في كل من البلدين، وكانت المنظمات التي قامت بثورات 1848 قد استهدفت خلق إيطاليا الموحدة وألمانيا الموحدة، بينما كانت النمسا تعارض قيامهما، لذلك ارتبطت الدعوة للوحدة في البلدين بالدعوة للتحرر من السيطرة النمساوية.

الوحدتان الايطالية والالمانية

الوحدتان الايطالية والالمانية || المستوى السادس ثانوي

وقادت حركة الوحدة في إيطاليا، مملكة البييمونت، و في ألمانيا مملكة بروسيا، إلا أن وسائل كل من البيمونت وبروسيا قد اختلفت في الوصول إلى تلك الغاية، وذلك تبعا لدرجة نمو القوى الموحدة في كل من البلدين.

1- حالة ايطاليا والمانيا قبيل بداية الوحـدة:

- حالة إيطاليا وألمانيا قبل الوحدة وما تبعها من ثورات.

أ- نمت بعض الإمارات الإيطالية والألمانية اقتصادها الرأسمالي، في الوقت الذي كانت التجربة السياسية تخدم أهداف الدويلات الفيودالية المدعمة من طرف النمسـا :

-- ظلت إيطاليا بعد ثورة 1848 عبارة عن مصطلح جغرافي، فقد تميزت الحالة السياسية في سنة 1859 بتقسيمها إلى عدة دويلات هي:
دويلة لومبارديا - البندقيه (5 ملايين نسمة ) التي بقيت الى ذلك الحين تحكم بواسطة النمسا، حيث يباشر شؤونها نائب الملك النمساوي، الذي تميز بقمعه الشديد للحركات القومية، وكانت ذوقيات بارما ومودينا وتوسكانا (2.5 مليون نسمة) خاضعة أيضا للنفود النمساوي، إذ يحكمها أمراء نمساويون.
وأثناء قيام ثورة 1848 طرد الثوار الباب من ممتلكاته وأسسوا جمهورية روما، ودخلت الجيوش الفرنسية للقضاء على هذه الجمهورية، وأعادت تنصيب البابا في روما والمناطق المحيطة بها، وبقيت منذئذ حامية فرنسية في روما إلى حدود 1870 .
وحكم مملكة الصقليتين (8 ملايين نسمة) فرديناند الثاني الذي لقب بالملك بمبا لقسوته في سحق الثورة التي قامت سنة 1849 في مملكته، وذلك بمساعدة النمسا.
أما مملكة البييونت-- سردينيا ( 5 ملايين نسمة) فكانت الوحيدة من بين الدويلات الإيطالية التي لم تتراجع عن سياستها الدستورية -- بعد فشل ثورات 1848 -- والمتوفرة على اقتصاد رأسمالي يسعى إلى النمو.
وهكذا تعارضت مصالح الدويلات الفيودالية المدعمة من طرف النمسا مع اهداف البرجوازية الداعية الى الوحدة السياسية والتي تمثلها كل من الحركة القومية وحكومة البيمونت.

-- وفي ألمانيا تقلص عدد الإمارات سنة 1815 الى 38 امارة يحكمها امراء وملوك، و داخل هذه الامارات سادت العلاقات الفيودالية بمختلف وجوهها من سخرة وضرائب ثقيلة وحقوق فيودالية، وارتفعت موارد النبلاء وكبار ملاكي الاراضي، فاخذ بعضهم يوظف أمواله في مشاريع حديثة تقليدا للفئة الوسطى، فتحولت بذلك اهتماماتهم من القطاع الفلاحي نحو القطاعين التجاري والصناعي.
وكانت البرجوازية الراغبة في توسيع نشاطاتها متضايقة من التقسيم السياسي والاقتصادي المفروض على البلاد، وعلى الرغم من مد بعد خطوط السكك الحديدية واستعمال الآلات في بعض الصناعات فان التطور الاقتصادي في الإمارات الألمانية كان أضعف بكثير منه في انجلترا وفرنسا، ومع ذلك سارت كثير من الإمارات نحو تطور صناعي مهم، وعلى رأسها بروسيا.
وتركز هذا التطور الاقتصادي في بروسيا التي كانت تضم أهم المراكز الصناعية و اغنى رجال الاعمال وثلثي الطبقة العاملة المشتغلة في الصناعات الكبرى.

ب) لعبت كل من البيمونت وبروسيا دور القيادة للقيام بالوحدتين:

** البيمونت.
منذ مارس 1848 أصبحت البيمونت ملكية دستورية لها برلمان يتركب من مجلسين: مجلس الشيوخ معين و مجلس للنواب منتخب على أساس حق انتخاب جديد محدود، وقد ساهم كافور في وضع أسس نظام دستوري جديد في مملكة البيمونت، وكان كافور قد ولد سنة 1810 من أصل ارستقراطي، وشارك سنة 1847 في تأسيس بنك جنوا، وقام بأسفار كثيرة الى دول غرب أوروبا حيث لاحظ تقدم فرنسا وانجلترا بالنسبة للبيمونت، وتركزت لديه فكرة ضرورة التقدم الاقتصادي، ثم دخل حكومة البيمونت كوزير للفلاحة والتجارة، ثم أصبح وزيرا أول للحكومه سنة 1852 .
فعمل منذئذ على تكوين حكومة ائتلافية وعلى تطبيق المؤسسات الدستورية، ونظم الجيش وأخذ في تشجيع التصنيع بالبيمونت بمساعدة شركات فرنسية، وجرد الكنيسة من امتيازاتها في القضاء والتعليم وصادر كثيرا من أملاكها، وكلفت هذه الإصلاحات أموالا باهظة تم جمعها من الضرائب التي ارتفعت تدريجيا.
وجسد كافور باصلاحاته هذه مطامح البرجوازية التجارية ورجال الصناعة في البيمونت، وكانت هذه الفئة الاجتماعية ترى في الحواجز الاقتصادية والجمركية الخاصة بكل دويلة من الدويلات الإيطالية قيودا تحد من نشاطها و تعارض مصالحها، خاصة وقد ظهر تفوق البيمونت في الميادين الصناعي والمالي: في سنة 1860 كانت البيمونت تملك نصف مجموع الأبناك والشركات الصناعية والتجارية الموجودة في الاراضي الايطالية، و كانت صادراتها في تلك السنة تكون 27 % من مجموع الصادرات الايطالية، اما الواردات فشكلت 33% من المجموع، وبلغ طول شبكة السكك الحديدية في البيمونت 807 كيلومتر، في الوقت الذي لم يتعدى طولها 120 كيلومترا في مملكة نابولي وصقلية مثلا.
وكانت السكة الحديدية منعدمة في ممتلكات البابا الذي كان يصرح: بأن السكك الحديدية تنقل الافكار اكثر من ما تنقل البضائع.

***بروسيا.
كانت بروسيا أكبر قوة اقتصادية من بين مختلف الإمارات الألمانية، فمنذ الربع الثاني من القرن التاسع عشر، كونت حولها اتحادا جمركيا سمي ب: الزلفرين ساهم كثيرا في تدعيم العلاقات التجارية بين الدويلات الألمانية، وكان يضم سنه 1848 اغلب الدويلات الألمانية -- خاصة منها الشمالية -- مما خلق سوقا داخلية واسعة للبرجوازية الألمانية الناشئة.
وكانت بروسيا تتوفر على مناجم السار والرور و سيليزيا العليا، وتنتج بالنسبة لبقية الإمارات الألمانية المكونة للزولفرين 66% من الفحم و 95% من الصلب و 65% من الصناعات الثقيلة و 55% من منتجات النسيج وذلك سنة ،1848، كما أن نسبة إنتاجها من الحبوب والشمندر وتربية المواشي ارتفعت باستمرار، ومن هنا فإن قوة بروسيا الاقتصادية قد مهدت الطريق لزعامتها السياسية، وكان ذلك على يد بسمارك.
ازداد بيسمارك سنة 1815 من عائلة ارستقراطية، وتقلد عدة مناصب حيث عمل كسفير لبروسيا في فرنسا، واشتهر بولائه لأسرة الهوهنزلرن الحاكمة، وعين سنة 1862 رئيسا للحكومة من طرف ملك بروسيا كيوم الأول.
وكان يعتقد بأن:
((... بروسيا لا تهتم بالليبرالية ولكنها تهتم بقوتها، فيلزمها أن توحد قواها وأن تكون مستعدة للوقت الملائم، وأن حدود المملكة (البروسية) كما حددها مؤتمر فيينا لا تتلاءم والحياة السياسية السليمة…. وان مشكلة المانيا (الوحدة) لن تحل بالخطب ومصادقات الأغلبية -- كما اعتقد ذلك رجالات ثورة 1848- 1849-- وإنما تحل بالحديد الدم))
من خطاب بيسمارك في 30 شتنبر 1862.

2- مراحل الوحدتين الايطالية والالمانية.

أ) تمت الوحدة الايطالية بزعامة مملكة البيمونت وبفضل المساعدات الخارجية:

__ التيارات السياسية المتواجدة في البيمونت.
استغل كارفور الوضع الخاص لدولة البيمونت - سردينيا محاولا توحيد الأفكار حول ملك البيمونت، فأسس سنة 1858 (الجمعية الوطنية) التي جعلت من أهم مبادئها نشر دعاية واسعة لفكرة الاستقلال والوحدة وإبعاد كل المناقشات حول السياسة الداخلية والمسألة الاجتماعية.
ورفض الجمهوريون بزعامة مازيني مساندة كافور في هذه السياسة لبلوغ الوحدة، وكان مازني يلعب دورا هاما في تنوير الأفكار داخل إيطاليا انطلاقا من البيمونت، وهو من انصار أفكار الثورة الفرنسية، اشتغل بالصحافة بعد أن درس الحقوق، وما بين 1831 و 1848 عمل على تسرب حركة ايطاليا الفتاة -التي تكونت في المهجر- الى داخل الدويلات الإيطالية، فأثرت تلك الحركة في مثقفي البرجوازية الايطالية، واستغل مازيني الجو التحرري الذي نشأ في مملكة البيمونت، فانخطر في الجناح الذي كان يدعو إلى الوحدة عن طريق إقامة مؤسسة جمهورية والقيام بإصلاحات اجتماعية عميقة داخل البلد الايطالي الموحد، وقد لخص أحد الكتاب الإيطاليين موقف هؤلاء الجمهوريين متحدثا باسم إيطاليا فقال:
((إنني ايطاليا هكذا مجزأة ومحتقرة من طرف الجميع، وانني انتظر منذ سنين عديدة أرجلا قوية تحملني وتنفض عني الغبار، الا انني لا ارغب في رجل المانية او فرنسية او… انني في حاجة لواحدة تكون من جسمي، انظروا انني هنا زرقاء وهناك حمراء وبيضاء وفي اعلى صفراء وسوداء، انني مجموعة من القطع والأجزاء، فاجعلوا مني جزءا واحدا ولونا واحدا)).
-- ويبين النص جانبا من الفكر السياسي لقسم من البرجوازية الإيطالية الراغبة في التوحيد ومحو الاحتقار الذي تشعر به امام بقيت البرجوازيات الاوروبية المتطورة، كما يدعو النص الى القضاء على الهيمنة النمساوية ومحو العلاقات الفيودالية من الدويلات الإيطالية، وبان تتولى إيطاليا أمرها بنفسها ودون اعتماد على سند خارجي.
-- اعتماد كارفور على المساعدات الخارجية في تحقيق الوحدة:
سار كافور في تحقيق الوحدة الايطالية سيرا مخالفا لما رغب فيه الجمهوريون، فقد كسب صداقة فرنسا للبيمونت وذلك بمساندتها مساندة رمزية في حرب القرم، فأخذ نابوليون الثالث يدعو الى تغيير اتفاقيات مؤتمر فيينا المتعلقة بشأن الدويلات الإيطالية، وانشاء دولة اتحادية بها تحت حماية الدولة الفرنسية، وكان مدفوعا في دعوته هذه من طرف البرجوازية الكبرى الفرنسية الراغبة في توسيع أسواقها داخل مجموع البلاد الإيطالية.
واتفق كافور معن نابوليون الثالث (معاهدة بلومبيير 1858 )على مساعدة فرنسا للبيمونت ضد النمسا من جهة، وبفرض البيمونت كزعيمة لحركة الوحدة في إيطاليا، مقابل التخلي لنابليون الثالث عن منطقتي الصفوا ونيس.

وبدأ كافور يتهيأ للحرب ضد النمسا، فنظم المتطوعين الذين توافدوا على البيمونت من شتى أنحاء إيطاليا للمشاركة في الجيش الذي سيتولى القيام بالوحدة، فبعثت النمسا في 23 أبريل 1859 بإنذار للبيمونت تطلب فيه تشتيت المتطوعين، والا اعتبر ذلك اعتداء عليها، فرفض كافور الانذار النمساوي، و بدأت الحرب في 29 أبريل .1859 وعبرت الجيوش الفرنسية البحر من طولون إلى جينوا، وتلخصت عمليات الحرب في معركتين: (معركة ماجينتا 4 يونيو1959) و(معركة سولفرينو 24 يونيو 1859)، وكان النصر الى جانب المتحالفين ضد النمسا، غير أن نابليون الثالث اتصل إمبراطور النمسا و تهادن معه في 12 يوليوز 1859 في فيلافرانكا فتخلى عن القضية الايطالية لكونه اتفق مع النمسا على التنازل عن مقاطعة لومبارديا، مع الاحتفاظ بمقاطعة البندقية، وبذلك بقيت النمسا مهيمنة على منطقة إيطاليا الكبرى.
الا ان البيمونت ربحت من هذه الحرب، انضمام لومبارديا إليها، كما قامت ثورات ضد الأمراء النمساويين في الدويلات الإيطالية الاخرى، وتم طرد اولئك الامراء منها، وفي ، 1860 ، نظم كافور استفتاءات شعبية في الدويلات الثائرة (تسكانيا - بارما - مودينا - رومانا) أدمجت في مملكة البيمونت.

وقام الجمهوريون في أبريل 1860 بانتفاضة ضد ملك الصقليتين، ساندها غاريبالدي الذي أبحر من جنوا على رأس (غزوة الألف) التي جمعت ألفا من الجنود كانوا يلبسون قمصان حمرا، واتجهت الحملة إلى صقلية وتمكن متطوعو غاريبالدي من تحرير الجزيرة، ثم اجتازوا المضيق ودخلوا مدينة نابولي في شتنبر 1860 ، فأصبح غاريبالدي على أبواب ممتلكات البابا والتي كانت ترابط بها حامية فرنسية منذ ثورة ،1848 ، فخشي كافور أن يزحف غاريبالدي على روما ويصطدم بالجيش الفرنسي هناك، فبادر إلى إرسال جيش نحو ممتلكات البابا، وعقد كافور اتفاقية مع البابا في أكتوبر 1860 تخلى فيها البابا عن أجزاء كبيرة من ممتلكاته باستثناء مدينة روما وضواحيها التي لم يتم الحاقها بالبيمونت إلا سنة 1870 اثر سحب فرنسا لجيوشها المرابطة هناك نظرا لذلك بسبب الحرب السبعينية، لكن البابا لم يقبل ذلك الإلحاق فاعلن نفسه سجينا بقصر الفاتيكان، وبقي المشكل قائما إلى سنة . 1928 .

ب) تحقق الاتحاد الألماني بقيادة بروسيا باستعمال (سياسة) الحديد والدو).

الحرب ضد الدنمارك:
بدأ بسمارك منذ 1863 في تحقيق مخططات له استهدف منها إضعاف الدول المجاورة قصد تحقيق اتحاد الماني بزعامة بروسيا، فاستغل اولا مشكلة منطقتي الشليزفيك و الهولشتاين، وكانت الشليزفيك مقاطعة يغلب فيها العنصر الدنماركي، ولها مجلس خاص بها، اما الهولشتاين فكانت اغلبية سكانها من الالمان، وقرر مؤتمر فينا ان تكون الهولشتاين عضوا في العصابه الجرمانية، وكانت كل من الدنمارك والعصبة الجرمانية وبروسيا ترغب في ضم المنطقتين معا إليها.

وفي سنة 1863 قرر الدستور الدنماركي إدماج الذوقيتين في المملكة الدنماركية، وكان هذا القرار مخالفا اتفاقية لندن لسنة 1852، حينئذ طلب بسمارك من النمسا ان تساعده في ضم المنطقتين بالقوة، واعتمدت الدولتان على اتفاق لندن سنة 1852 قصد تبريد تدخلهما، بحيث طالب بسمارك بإلغاء كل ما يناقض تلك الاتفاقية، ومعنى ذلك إلغاء الدستور الدانماركي، وبما أن هذا غير ممكن لان الدول الاخرى لا يمكنها أن ترغم دولة ما على إلغاء دستورها، فإن بسمارك قد فتح بذلك باب الحرب، فوجه إنذارا للدنمارك يطلب فيه إلغاء قرار الدستور، وبرفض الدنمارك للإنذار البروسي - غزت الجيوش البروسية - النمساوية المشتركة المنطقتين في يناير 1864، واضطر الملك الدانماركي للتخلي عنهما أي عن ما يعادل خمسي الأراضي التي كان يحكمها من قبل، وتقرر مبدئيا ان تحكم النمسا منطقة الهولشتاين، بينما تدمج الشليزفيك في بروسيا، وفعليا كانت المنطقتين معا تحت سلطة بروسيا، وبضم المنطقتين حقق بسمارك أول خطوة من مخططه وفرض بروسيا كزعيمة للوحدة الألمانية.

-- الحرب ضد النمسا:
بعد ذلك، استغل عدم اتفاق كل من بروسيا والنمسا على كيفية مراقبة الهولشتاين - خاصة وان اغلبية سكانها الالمان قد رفضوا الانضمام للنمسا - وأخذ يهيئ الجو لحرب ضد النمسا، فوطد علاقته مع روسيا وذلك بمساعدتها في قمع ثورة 1863 البولونية، كما ضمن حياد فرنسا وعقد حلفا مع البيمونت، وكان المذهب البروتستانتي هو السائد في أغلب الامارات الألمانية، بينما كانت النمسا كاثوليكية وتحاول فرض مذهبها الديني على الاتحاد الألماني، فاستغل بسمارك هذا العامل أيضا لإذكاء شعور الألمان ضد النمسا ومعتقداتها.
وفي أبريل 1965 تقدم باقتراح لتوحيد ألمانيا تحت قيادة بروسيا وطرد النمسا من الاتحاد الألماني واحتلت الجيوش البروسية منطقة الهولشتاين، وبذلك دفع بسمارك النمسا لأن تعلن الحرب على بروسيا في يونيو 1866. وكان المراد من هذه الحرب كما عبر عن ذلك ملتكي قائد الجيش البروسي:
(( ان حرب 1866 لم تنشب لان كيان بروسيا كان مهددا، ولم تكن نزولا عند رغبة الرأي العام او مشيئة الشعب، بل كانت حربا عرف قيامها قبل نشوبها بوقت طويل، واعد أمرها بعناية، وسلمت الوزارة الحربية بضرورتها لا للحصول على توسع ارضي بل لإحراز التفوق وزعامة بروسيا على الرايخ الالماني)).
من تصريح لملتكي.
وكانت حربا قصيرة الأمد، أظهر فيها الجيش البروسي عن قدرته وخبرته في الحروب الهجومية، وانتهت باندحار الجيش النمساوي في معركة سدوفا في 3 يوليوز 1866، وأسرع بسمارك لإعلان الهدنة بعد ذلك مقابل تعهد النمسا بعدم التدخل بعدئذ في شؤون الإمارات الألمانية.

ومباشرة بعد هذه الحرب اندمجت عدة إمارات في بروسيا من جديد، وتأسس مجلس للاتحاد البندسترات شمل 22 دويلة من شمال ألمانيا تحت قيادة بروسيا، كما أسس بسمارك مجلسا للنواب داخل بروسيا الرايخستاغ ينتخب اعضاءه بواسطة الاقتراع العام.

-- الحرب ضد فرنسا.
ولم يكن نابليون الثالث ينتظر انتصار بروسيا السريع ضد النمسا، كما ضايق البرجوازية الفرنسية أن تصبح ألمانيا دولة موحدة وقوية على حدود فرنسا، وكان نابليون الثالث يطمع في الاستيلاء على كل من بلجيكا واللكسمبورج وضمهما لفرنسا تحقيقا للاطماع الرأسمالية الفرنسية في الحصول على مكسب خارجي مقابل ما حصلت عليه الرأسمالية الألمانية بعد معركة سادوفا، وفي هذا الإطار وقعت مفاوضات بين بسمارك و نابليون الثالث، كان بسمارك يدفع فيها نابليون الثالث لاتخاذ مواقف والإدلاء بتصريحات يعبر فيها عن نوايا توسعية في الشمال، مما ساهم في عزل فرنسا أمام الشعوب الأوروبية.

كما عقد بسمارك سنة 1867 معاهدات تحالف بينه كممثل للاتحاد الألماني، وبين بعض دويلات الجنوب الألماني، فأكد هذا لفرنسا تصميم بسمارك على تحقيق الوحدة رغم معارضتها وانتهى نابليون الثالث إلى إعلان الحرب على بروسيا سنة 1870.
ولم يكن الجيش الفرنسي على استعداد لمواجهة الحرب، بينما كان الجيش الألماني مكتمل التنظيم والاستعداد، وكانت الخطة العسكرية البروسية لغزو فرنسا قد وضعت منذ ثلاث سنوات.
وهاجم الجيش الألماني فرنسا، فاحتل الألزاس واللورين، وهزم الجيش الفرنسي في معركة سيدان في 2 شتنبر 1870 ،حيث كان من بين الاسرى نابليون الثالث نفسه، وأدى ذلك إلى اندلاع الثورة في باريس والإطاحة بالنظام الامبراطوري، واستمر الجيش الألماني في التغلغل داخل فرنسا حتى احتل مدينة باريس العاصمة.

وفي سنة 1871 عقدت اتفاقية بين الدولتين تعهدت فيها فرنسا بالتخلي عن الألزاس واللورين لألمانيا أي ما يعادل 1.6 مليون نسمة و14.000 كلم مربع مما تتضمنه من مناجم غنية بالفحم والحديد، وفرضت على فرنسا غرامة حربية بلغت 40 مليارا من الفرنكات.
فقامت انتفاضة عمالية بباريس ابتداء من مارس 1871 شكلت -- كومونة باريس -- فوجهت الحكومة الفرنسية -- الموقعة على التنازلات -- الجيش الفرنسي إلى باريس حيث تم تقتيل حوالي 20.000 من الثوار.

وشكل انتصار بروسيا العسكري على فرنسا مرحلة جديدة في تحقيق الوحدة، فقد انضمت إثره إلى الاتحاد كل من مقاطعات الباد والهيس وفرتنبرج وبافاريا، وتقرر أن يتحول الاتحاد الى امبراطورية، فتوج كيوم الأول إمبراطورا على ألمانيا في قصر فرساي.
وتم تعديل دستور 1867 حيث وضعت السلطة التشريعية في يد المجلسين المذكورين واصبح للامبراطور حق حلهما وحق مباشرة جميع الشؤون المتعلقة بالدفاع.

تكون إذا اتحاد الماني لان بسمارك حافظ على الأمراء والملوك الموجودين في الدويلات الألمانية وذلك للمحافظة على نظام بروسيا نفسه، وبقيت ألمانيا تتكون من 25 دويلة حافظت على نظامها الداخلي، وكانت بروسيا تشكل ثلاثة أخماس المساحة العامة لألمانيا، وتهيمن على بقية الدويلات اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
وأقيم الاتحاد الألماني باستعمال سياسة الحديد والدم، ونشأت دولة رأسمالية ذات طابع عسكري ذات طابع عسكري على رأسها أسرة الهوهنزلزن البروسية التي عملت على اذكاء فكرة القومية الجرمانية كإحدى الوسائل لمنافسة البرجوازيات الأوروبية وتوحيد الجبهة الداخلية.

أما ايطاليا فقد توحدت في ظروف لم تجعل وحدتها انتصارا للوعي القومي،بل احس الايطاليون بان الوحدة غير كاملة وانها لصالح الشمال، واعتمدت حركة الوحدة على الخارج أكثر من اعتمادها على الداخل حيث بلغ مجموع ضحايا الحركة مثلا 6.000 قتيل و 20.000 جريح من الإيطاليين في ما بين 1848 و 1870 ،بينما خسر الجيش الفرنسي في معركة وحدها 10.000 قتيل من الفرنسيين.
وقد تطرفت الحركتان القوميتان الايطالية والالمانية، اذ اصبحت كل منهما تسعى إلى التوسع الخارجي إخفاء التناقضات الداخلية، ولتنمية صناعات وأسواق برجوازية كل من البلدين. لذلك اخذت كل من الدولتين تبحث لنفسها عن مستعمرات داخل القارة الأوروبية وخارجها، مما سيزيد من حدة التنافس الحاصل بين الدول الإمبريالية الأوروبية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم