أروبا والعالم في مطلع القرن التاسع عشر || تاريخ العالم

يعتبر القرن التاسع عشر من أهم الأحداث في تاريخ العالم الحديث وحسمها ، فهو من الأحداث والإنجازات والتغييرات التي حدثت هناك وكان لها أثر كبير في تشكيل الهياكل الاجتماعية والاقتصادية والفلسفية والفكرية. العلوم الاجتماعية هي الأسس السياسية لحضارة القرن العشرين.

أروبا والعالم في مطلع القرن التاسع عشر

شكلت سنة 1815 تحولا هاما في تاريخ أوربا، فخلالها عقد مؤتمر فيينا الذي أعطى وجها جديدا لأروبا.

ونتج عن سيطرة البورجوازية على مقاليد الحكم ونمو الرأسمالية وتوسعها، مرحلة جديدة من التوسع الاستعماري الأوربي عبر العالم، وتجاه سيطرة أوربا الاقتصادية والسياسية على بقية العالم، اختلفت ردود فعل كل من أمريكا والقارة الأفريقية والامبراطوريات الآسيوية.

الحالة في أوربا حوالي 1815:

أوضاع أوروبا السياسية بعد الحروب النابوليونية.

تأثرت أوضاع اوربا بمخلفات الحروب النابوليونية:

تميزت الفترة الممتدة من 1807 الى 1812 بالتوسع الفرنسي في القارة الأوربية اذ تمکن نابوليون من احراز انتصارات على النمسا في 1805 وبروسيا في 1806 وروسيا في 1807، ولم تمكن الحصار القاري الذي ضربه على انجلترا من هزيمتها لكنه ساعده على غزو اسبانيا.
 وبلغت الامبراطورية الفرنسية أوجها في 1811 حيث بسطت نفوذها على جل أجزاء القارة باستثناء الدول الإسكندنافية: السويد والدنمارك والتي كانت تضم النرويج وبروسيا والامبراطوريات الثلاث النمساوية والروسية والعثمانية الا أن الامبراطورية النابوليونية قد انهارت في أقل من سنتين: ففي 1810 تخل قیصر روسيا اسكندر الأول عن مساندة نابوليون في الحصار القاري لكونه أحدث ضررا كبيرا بصادرات روسيا الى انجلترا.

كما استاء من سياسة نابوليون الرامية الى اعادة بولونيا كدولة قائمة بذاتها.
وكان ذلك سببا في قيام الحرب الروسية - الفرنسية في يونيو 1812 والتي انتهت باندحار جیوش نابوليون وكانت هزيمة نابوليون في روسيا نذيرا بتفكك الامبراطورية الفرنسية . فقد ظهرت انتفاضة في روسيا الشرقية في أكتوبر 1813) تدعمها كل من روسيا والنمسا تراجعت على إثرها الجيوش الفرنسية الى ما وراء الراین. 

كما أن دعم انجلترا لإسبانيا جعلها تنفصل عن الإمبراطورية الفرنسية، وفي دجنبر 1813 اقتحمت القوات الروسية و النمساوية الحدود الفرنسية ودخلت الدول المتحالفة مدينة باريس في 31 مارس 1814 حيث أرغمت نابوليون على التخلي عن عرش فرنسا لأسرة البوربون، وأمضيت معاهدة باريس الأولى في 30 مايو 1814 التي أعادت فرنسا الى حدود 1792 وقام نابوليون بمحاولة يائسة لاستعادة الحكم لكنه مني بالفشل في معركة واترلو ) يونيو 1815) امام جيوش انجلترا وبروسيا .

 واضطرت فرنسا إلى التوقيع على معاهدة باريس الثانية (نونبر 1815) وقبول انفصال منطقة الصافواونيش لصالح مملكة البييمون، كما تنازلت عن جزء من الأردين لصالح هولندا بالإضافة الى غرامة حربية مرتفعة.

استهدفت مقررات مؤتمر فيينا أثار التوسع النابليوني وتوقيف المد التحرري الليبيرالي.

عقدت الدول المتحالفة ضد نابوليون مؤتمر فيينا ما بين نونبر 1814 ويونيو 1815 لإعادة تنظيم أوروبا بعد الحروب النابوليونية على أساس التوازن بين الدول الفائزة في الحرب بهدف تدعيم الأنظمة المحافظة، وضم هذا المؤتمر ممثلي مختلف الملوك والأمراء الذين أسقط نابوليون عروشهم.
وأهم من شارك فيه : قيصر روسيا السكندر والمستشار النمساوي مترنخ ووزراء خارجية كل من انجلترا وبروسيا وفرنسا. وحضر الوفد الفرنسي المؤتمر بعد عودة اسرة البربون إلى الحكم، وتتويج شارل الثامن عشر ملكا على عرش فرنسا.

ووضعت اتفاقيات المؤتمر شروطا من شأنها أن تمنع كل توسع فرنسي وان تحافظ على التوازن بين الدول الكبرى في القارة وأن تقضي على كل المحاولات الثورية، بل أن خريطة أوربا عرفت تغییرات أساسية.
فأحيطت فرنسا بمجموعة من الدويلات الصغيرة وفقدت منطقة الصافوا وقلاع الشمال والشمال الشرقي.
وزادت الاتفاقيات من نفوذ بروسيا في منطقة الراين، كما جعلت من النمسا أكبر قوة في وسط القارة، اذ على الرغم من تخليها عن بلجيكا، فإنها حصلت على منفذ البحر المتوسط، وأصبحت تراقب مباشرة شؤون مملكة لومبارديا – البندقية.
كما دعمت الاتفاقيات نفوذ روسيا في فنلندا وبيسارابيا.
اما انجلترا فقد استرجعت الهانوفر، واحتفظت بكل مستعمراتها وقواعدها البحرية في جزيرة هلیغولند والجزر الأيونية ومالطا.

وتم ادماج بلجيكا في هولندا لتأسيس ( مملكة الأراضي المنخفضة ) وأصبحت سويسرا دولة محايدة بينما اتحدت السويد والنرويج.
أما فيما يخص ايطاليا فقد تقرر أن يسترد البابا أملاك الكنيسة، وأن تسترجع (أسرة البوربون) أملاكها في مملكة الصقيليتين.
وأعيدت شبه جزيرة ايبيريا الى ما كانت عليه قبل التوسع النابليوني.
وكان عدد الامارات الالمانية قد تقلص من 360 سنة 1789 الى 39 امارة عند الهجوم النابليوني عليها، فقرر مؤتمر فيينا أن تعود امارة الهانوفر تحت امرة ملك انجلترا، وأن تشرف النمسا على بقية الامارات الألمانية، وأن تعمل على خلق كونفدرالية جرمانية تحت مراقبتها وتوجيهها.

وفيما يتعلق بالقرارات العامة فقد حرمت كل من القرصنة وتجارة الرقيق، ونشا التمثيل الدبلوماسي، واتفق على ادارة الأنهار الدولية كالدانوب والراين .
وأدت كل هذه التحولات الى تغيير الخريطة السياسية لأروبا، فرسمت الخريطة الأوربية على أساس القانون القديم القائم على الغلبة وتم تجاهل مبادئ السيادة القومية.
ونتيجة للوضعية الجديدة ظهر في أوربا تناقض حاد بين قوتين متعارضتين رئيسيتين هما:
المحافظون الذين دافعوا عن مخلفات الفيودالية، والليبيراليون وممثلو الحركات القومية الذين عبروا عن مطامح البورجوازيات الأوربية في التحرر من رقبة الفيودالية.

وبهدف تطبيق مقررات مؤتمر فيينا، أقامت القوى المحافظة عدة أحلاف بينها، وأهمها (الحلف المقدس) الذي ضم كلا من النمسا وبروسيا وروسيا، والذي لخص (مترنيخ) أهدافه الأساسية فيما يلي:

أهداف مترنيخ.
((...إنها الحرب الضروس بين المبادئ القديمة والجديدة، بين النظام الاجتماعي القديم والجديد.
ان الاتحاد بين الأمراء هو البديل لحركة الفوضى التي يريد الكثير من المشاغبين بثها في القضايا البشرية))- مترنيخ.


كما تمت المصادقة سرا في 20 نونبر 1815 على (الحلف الرباعي) ، الذي ضم إنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا ، وكان هذا الحلف موجها ضد فرنسا أساسا وضد كل المبادئ التحررية والحركات القومية .
كما سن مبدأ التشاور عن طريق ((سياسة المؤتمرات )) وذلك بهدف التنسيق بينها لمواجهة الحركات التحررية أينما قامت.

ولمواجهة القوى المحافظة، التجأت المنظمات الليبرالية والتحررية للنشاط السري، وتزايد اقبال العناصر المستنيرة وذوي المهن الحرة على الانخراط في تلك المنظمات التي نأخذ مثالا لها من ((جمعية الكاربوناري)) التي ظهرت في مملكة نابولي، واستطاعت أن تقيم لها شبكة من الفروع غطت كل ايطاليا و امتدت إلى كل من فرنسا واسبانيا، واستقطبت الجمعية عناصر من جیش نابليون، كما عملت على تنشيط دعاية قوية لها في الأوساط العسكرية في كل من بولونيا وروسيا.

وبذلك قامت قوات تضم البورجوازية التجارية والصناعية والمثقفين والجنود بمواجهة عناصر النظام القديم، وكانت تدعو الى الأخذ بمبادئ الثورة الفرنسية (1789).
الى جانب هذا نشأت قوة جديدة هي الطبقة العاملة: فقد كان من نتائج الثورة الصناعية وبداية انتشارها في أوربا، أن ظهرت فئة اجتماعية عانت من ضعف الأجور ومن طول مدة العمل ومن ظروف السكن السيئة ومن تشغيل الأطفال، مما جعلها تشعر تدريجيا بضرورة التكتل ضد المستغلين.

اوربا والعالم.

أوضاع أوروبا والعالم السياسية.

 كانت القارة الأمريكية عبارة عن مستعمرات أوربية ام تتحرر منها الى حدود بداية القرن سوی الولايات المتحدة :

نمت جنوب البحيرات الكبرى منذ 1783، الجمهورية الأمريكية الفتية وذلك بين فلوريدا الاسبانية والساحل الأطلنطي ونهر المسيسيبي، وأصبحت المستعمرات الثلاث عشرة الأصلية ثماني عشرة ولاية بانضمام ولايات: فرمونت ( 1791) وكنتكي (1792 ) والتنيسيي (1796) وأوهايو ( 1803) ولويزيانا (1812) الى الاتحاد.
واستمر توسع الولايات المتحدة في اتجاه الشمال والغرب في الحقبة التالية، واختلفت ولايات الشمال عن ولايات الجنوب في نوعية نمط الانتاج السائد.

وكانت الولايات المتحدة الأمريكية مرتبطة بأوربا من قبل، حين ساهمت في الحروب الأوربية لكنها دخلت مرحلة جديدة من تاريخها ابتداء من بداية القرن التاسع عشر، حيث أخذت تنهج طريقة امریکا بعيدا عن الارتباط المباشر بأوربا.
وكانت بقية الأجزاء الأخرى من أمريكا الشمالية موضع تنافس بين ثلاث دول أوربية هي انجلترا وروسيا واسبانيا :
 فقد شملت المستعمرات الانجليزية منطقة اسكتلندا الجديدة في الشمال الشرقي والجزيرة المجاورة لها.

وتوفرت هذه الولايات منذ 1784 على دستور مماثل للدستور الانجليزي، ويمثل ملك انجلترا في المنطقة حاکم يسیر شؤونها، كما ضمت المستعمرات الانجليزية أجزاء من كندا التي أصبحت تابعة للتاج البريطاني منذ 1791.
واستقر الروس في ألاسكا بعد اكتشافات (بيرنخ) بهدف تجارة الفرو-منذ أواسط القرن الثامن عشر - وتقوى النفوذ الروسي بألاسكا بعدما احتكرت شركة روسية التجارة هناك، وانشات حصونا لتوطيد سيطرتها.
اما المستعمرات الاسبانية فقد ضمت شمال نهر ريوكراندي والتكساس والمكسيك الجديدة وكاليفورنيا وشبه جزيرة فلوريدا.
وأقام البرتغاليون والاسبان منذ القرن السادس عشر مستعمرات شاسعة جنوب القارة الأمريكية فامتدت المناطق التابعة لإسبانيا هناك من الحدود الجنوبية للولايات المتحدة الى ارض النار، بينما احتكرت البرتغال ارض البرازيل.

ومنذ نهاية القرن الثامن عشر، ضيقت الدول الاستعمارية من سيطرتها على المستعمرات الأمريكية، وعمدت الى استغلال السكان ونهب خيرات المنطقة، وقد شعر المولدون البيض بأمريكا الجنوبية بأن مصالحهم تتعارض ومصالح الدولتين الاستعماريتين، فقادوا الحركة التحريرية متأثرين بأفكار الثورتين الأمريكية والفرنسية، فقامت حروب التحرير التي انتهت باستقلال امريكا اللاتينية وتجزئتها عند نهاية الربع الأول من القرن التاسع عشر.

اتجهت الأطماع الأوربية الى القارة الأفريقية ، وكان لها تأثير كبير على احوال السكان:

 الأطماع الأوربية في القارة الأفريقية.

افريقيا الشمالية ومصر:

في المغرب الأقصى، امتاز عهد السلطان محمد بن عبد الله (1757 – 1790) ( 1171 م-  1204 م ) بسياسة التفتح على أوربا، فقد عني بتشجيع الحركة التجارية و ابرام اتفاقيات عديدة مع الدول الأوربية (معاهدة 1767 مع فرنسا مثلا)، وذلك رغبة في رفع المداخيل الجمركية.

لكن و ابتداء من سنة 1800 ظهر فتور متزايد في علاقات المخزن المغربي مع أوروبا خاصة في عهد المولى
سلیمان (1792 - 1822)، فقد انتهج المولى سليمان سياسة الاحتراز من أوربا نتيجة لظروف داخلية وخارجية .
أما الجزائر فلم تكن تربطها بالسلطان العثمانی سوی علاقات صورية، وتضاءلت حكم الدايات نتيجة عدم الاستقرار السياسي والركود الاقتصادي، في الوقت الذي اشتد فيه الضغط الأوروبي على الجزائر خاصة منه الفرنسي.
وعرفت تونس تطورا سياسيا مغايرا للدول المسابقة ، فحاولت الدولة الحسينية في تونس تحديث البلاد ، ابتداء من م 1740 ، و انتهجت سياسة ذات صبغة وطنية غير مرتبطة بالسلطان العثماني وذلك بإنشاء حكومة لادارة شؤون البلاد والقيام بسلسلة من الإصلاحات لمواجهة الضغوط الأوربية.

وفي ليبيا واجهت الأسرة القرمانلية (1711 - 1835 - والتي كانت تعترف بسلطة العثمانيين - مشاكل سياسية واقتصادية تجلت في ضعف مواردها وفي امتداد أزمة مالية خانقة بها.

أما في مصر فقد أحدثت الحملة الفرنسية (1798 - 1801 تغييرات داخل البلاد بعد أن كان المماليك يفرضون عليها ركودا شاملا منذ عدة قرون، وأهم تلك التغيرات نمو الشعور الوطني في مصر الذي ساعد على قيام دولة (محمد علي) بعد جلاء الجيوش الفرنسية سنة 1811م.

بقية القارة الإفريقية:

عند نهاية القرن الثامن عشر ، كان الأوربيون قد قاموا ببعض الاكتشافات للقارة الإفريقية ، وذلك على يد مغامرين مدعمين وممولين من طرف الشركات والحكومات الأوروبية.
فمثلا قام الاسكوتلاندي «مونغو بارك» برحلة عبر النيجر سنة 1795م، وشجعت نتائج مثل هذه الرحلات على المزيد من التدخل في افريقيا السوداء.
كما أقام الأوربيون مراكز للتبشير بالمسيحية في عدة مراكز من الساحل الأفريقي وتنافست من أجل ذلك الإرساليات الكاثوليكية مع البروتستانتية.

وعند بداية القرن التاسع عشر، كان الاستعمار الأوربي قد تمكن من امتلاك بعض المناطق على سواحل إفريقيا السوداء ، فانغولا والموزنبيق وجزء من غينيا كانت مستعمرات برتغالية قديمة، وتسيطر فرنسا على بعض المرافئ، مثل سان لويس بالسنغال، وتهيمن انجلترا على بعض المواقع الاستراتيجية الساحلية كالكاب بأقصى جنوب القارة.
و أدخلت هذه التسربات الاستعمارية - وما رافقها من ابتزاز للخيرات والثروات أعداد كبيرة منهم کعبید ونقلهم الى امريكا - تحولات عميقة على البنيات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمعات القبلية الأفريقية، ففي منطقة ( ناتال ) جنوب القارة، لم تتمكن شعوب (زولو) من صد التغلغل الاستعماري.

وفي أفريقيا الوسطى انقرضت الإمبراطوريات القديمة وحلت محلها محاولات من طرف بعض أشياخ القبائل لمد نفوذهم
واتسمت الأوضاع السياسية بالتجزئة الشاملة التي للامبراطوريات التي عرفتها منطقة السودان الغربي إمبراطورية سنغاي وهاواسا  و مالي وظهور مجموعات سياسية صغيرة.
 وانعكست هذه الحالة السياسية على الحياة الاقتصادية فتضاءل الإنتاج الفلاحي نظرا للحروب والتقنيات العتيقة وقلة اليد العاملة الناجمة عن تجارة الرقيق.

 و ضاعف من حدة الأزمة الاقتصادية ظهور المجاعات، كما كان من نتائج  تدهور تجارة القوافل العابرة للصحراء الكبرى أن فقدت مدن السودان دورها التجاري في الوقت الذي نشطت فيه التجارة عبر المحيط الأطلنطي و كان ذلك لصالح النخاسين و التجار الأوروبيين.
و تكونت فئة ارستقراطية جديدة من بين السكان الافارقة، شكلت الحروب ثروتها الوحيدة ودعامة حكمها، وفقد جزء كبير من السكان حريته بحيث أصبح الرقم مظهرا اجتماعيا أساسيا طغى على أغلب المجتمعات الافريقية المتعاملة مع الأوروبيين.

 تعرضت مناطق القارة الاسيوية الضغط الاستعماري الأوروبي بأشكال متفاوتة: 

اختلفت ردود الفعل الدول الآسيوية تجاه الضغوط الاوروبية، إذ يمكن التمييز بين ثلاثة اجزاء رئيسية في آسيا.

- الامبراطورية العثمانية.

تقلص نفوذ الامبراطورية العثمانية طيلة القرن الثامن عشر حيث وصلت الى حد كبير من الضعف، ظهر في مجابهتها الفاشلة للضغط الأوروبي، وفي انسلاخ عدة أقاليم عنها وفي قيام حركات انفصالية في الأقاليم العربية.
وانتهج السلاطين العثمانيون سلسلة من الإصلاحات كان الهدف منها إنقاذ دعائم الدولة من الانحلال المستمر، فاولت تلك الإصلاحات عناية خاصة للجانب العسكري( إصلاحات 1793 و 1808) لكنها لم تؤد الى نتائج سوى أنها ساهمت في فتح الإمبراطورية في وجه التسرب الأجنبي وضعفت من المشاكل القائمة.

 - الصين واليابان.

حافظت الصين على حكم مركزي قوي، وكانت أطماع الدول الأوروبية قد اتجهت إليها منذ حقبة الاكتشافات في القرن السادس عشر بسبب منتجاتها من الحرير والشاي، تلك المنتوجات التي كانت تجد شوقا رابحة داخل أوروبا، فحاول الأوروبيون التسرب عن طريق البعثات التبشيرية والشركات التجارية، وقاوم اباطرة الصين التسرب الاوربي باغلاق جل الموانئ في وجه التجارة الأوروبية باستثناء ميناء كانتون.

غير أن تدهور حكم أسرة المانشو والضغوط الأوروبية القوية في القرن التاسع عشر، ساعدت على المزيد من التغلغل الاستعماري الأوربي داخل الصين.

 أما اليابان فقد أغلقت موانئها في وجه العالم الخارجي منذ أواسط القرن السابع عشر، في الوقت الذي قام فيه الحكم الإمبراطوري القائم ببعض الإصلاحات في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فنمت بسبب ذلك المدن اليابانية وظهرت بها فئه من التجار وأرباب الصناعة مما سيحدث تطورا في المجتمع التقليدي الياباني.

- الهند وجنوب شرق آسيا.

اتسع نفوذ انجلترا في الهند بعد أن قضت على ثورات ميزور 1806 والماهارت 1817 -،، ،.-1818 ولم يحتفظ الأباطرة المغول في دلهي بأية سلطة فعلية.
 واحدث الغزو الانجليزي تدهورا في الاقتصاد القروي التقليدي، فقد أت التنظيمات الجبائية الجديدة الى تحولات كبرى في ملكية الأراضي، وادخلت الى البوادي علاقات اقتصاديه جديده نتيجه للضغط الجبائي الذي فرض على الفلاحين، كما قضت المنتوجات الصناعية الانجليزيه على الحرف التقليدية في الهند، وتضاءلت قيمة المدن الصناعية الداخليه لصالح المدن الساحلية.

وكانت هولندا قد اضطرت إلى التخلي عن مستعمراتها خلال فترة الاحتلال النابليوني لها، لكنها استرجعت مستعمراتها بعد ذلك فسيطرت من جديد على جزيرة جاوا وبعض الموانئ على الساحل الشرقي لسومطرة  وساحل بورنيو الجنوبي وبعض الجزر الصغيرة الاخرى.
وكانت اسبانيا ثالث قوة استعمارية في آسيا الشرقية، وهي تراقب مجموع أرخبيل الفلبين باستثناء بعض السلطنات الاسلامية في الجنوب.

 واحتكرت الدول الاستعمارية في كل هذه المناطق السلطة السياسية،  وانصرف اهتمامها لاستغلال ثروات المنطقة وجمع الضرائب ومباشرة شؤون البلاد بواسطة موظفي الإدارة الاستعمارية، وامتازت بداية القرن التاسع عشر في جنوب شرق آسيا بكونها مرحلة انتقالية بين الوظيفة القديمة للمستعمرات التي تزود أوروبا بالمواد النادره والوظيفة الجديدة كمستهلكة للمواد التي تصنعها الدول الاستعمارية.

والخلاصة أن بداية القرن التاسع عشر كانت مرحلة أساسية في اتساع سيطرة أوروبا الاستعمارية، إذ شمل التسرب الاستعماري كل القارات وكانت له عواقب جوهرية على أوضاع العالم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

نقد لكم ايضا.


إرسال تعليق

أحدث أقدم