حركات الاستقلال في أمريكا اللاتينية

أسس البرتغاليون والأسبان في القرن السادس عشر امبراطورية استعمارية شاسعة امتدت على مجموع بلاد أمريكا الوسطى والجنوبية وجزء من أمريكا الشمالية.

حركات الاستقلال في أمريكا اللاتينية

حركات الاستقلال في أمريكا اللاتينية فشل محاولات التوحيد

 ومارست اسبانيا والبرتغال على هذه المستعمرات استغلالا استهدفت من ورائه احتكار جميع ثروات المنطقة مما جعل المستوطنين بها يفكرون في الانفصال عن الأوطان الأم.
كما أن أصداء تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية ومبادئ الثورة الفرنسية كان لها وقع قوي في أمريكا اللاتينية، ذلك أن تأثير الظروف الخارجية خاصة منها احداث أوروبا كان عاملا أساسيا في اندلاع الثورة في أمريكا اللاتينية، هذه الثورة التي دامت من سنة 1808 إلى سنة 1823 وتميز الوضع في ما بعد فيما بعد الاستقلال بظهور كيانات سياسي متناحرة فشلت في التوحيد في ما بينها.

الحالة في أمريكا اللاتينية عند مطلع القرن التاسع عشر

اتسمت مرحلة ما بعد الاستقلال بغياب الاستقرار السياسي والتوترات الداخلية والصراعات من أجل الهيمنة بين التيارات المختلفة.

 وقد تجددت أمام الدول الجديدة المستقلة تحديات مثل تحديد أنظمتها السياسية، وإنشاء مؤسسات حكومية قوية، وترسيخ حدودها الإقليمية.

أ / كانت أمريكا اللاتينية في نهاية القرن الثامن عشر مستعمرات استغلال تابعة للإسبان والبرتغال.

ضمت الامبراطوريتان الإسبانية والبرتغالية في أمريكا ما يزيد على 20 مليون كيلومتر مربع.
 وقد فرض الامبراطوريتان على هذه المستعمرات خلال ثلاثة قرون من القرن السادس عشر الى بداية القرن التاسع عشر استغلالا تاما، ظهرت بوادره في طبيعة العلاقات الاقتصادية والسياسية التي ربطت المستعمرات بالوطن الأم.
فمن حيث التنظيم السياسي كانت تحت السيطرة المباشرة (لمجلس الهند) الذي يدير شؤون المستعمرات من اسبانيا.
 وقسمت هذه الأراضي محليا الى 4 نيابات للملك تظهر من خلال الخريطة، أما البرازيل فكانت تمثل المستعمرة البرتغالية الوحيدة، وكانت الكنيسة الكاثوليكية تدعم النفوذ الإسباني والبرتغالي في هذه المناطق.
ومن الناحية الاقتصادية فرضت كل من إسبانيا والبرتغال على مستعمراتها نظام (الميثاق الاستعماري) الذي يمنعها من المتاجرة سواء في ما بينها مباشره دون المرور بالوطن الأم أو الاستعماري الذي يمنعها من المتاجرة سواء فيما بينها مباشرة دون المرور بالوطن الام مع دول أخرى.

 ويعرقل قيام أية صناعات بها مما كان يجعلها تختص بإنتاج المواد الفلاحية دون غيرها.
ونتج عن ذلك زيادة فقر هذه هذه المستعمرات.
 الا ان هذا النظام الاستعماري المحكم الذي ظل ساري المفعول طوال القرنين السادس والسابع عشر بدأ يعرف بعض الثغرات خلال القرن الثامن عشر، حيث سمح لإنجلترا بمقتضى (معاهدة أوتريخت) سنة 1713 بالقيام بسفر تجاري واحد في السنة إلى أمريكا اللاتينية.
وكانت تلك مناسبة مكنت إنجلترا من جني ارباح طائلة بفعل عمليات التهريب.
وسادت الملكية الكبرى في أمريكا اللاتينية (اللاتيفنديوم)، فكانت أهم منتجاتها السكر والكاكاو والقطن والجلود بالإضافة إلى الذهب في البرازيل والفضة (البيرو والمكسيك).
 وشكلت هذه المواد أهم الصادرات بينما تحتكر (الأوطان الأم) جل المبادلات التجارية وتنفرد بأرباحها.
 واستاء سكان أمريكا اللاتينية من هذه الوضعية خاصة وان الاقلية الحاكمة من الاسبان والبرتغاليين كانت تمثل ارستقراطية تستغل كل الفئات الاجتماعية الاخرى.

ب / يرتبط عدم المساواة في المجتمع الامريكي الجنوبي بالنظام الاستعماري.

سكن الامبراطوريتين الاسبانية والبرتغالية عند نهاية القرن الثامن عشر حوالي 18 إلى 20 مليون نسمة، وهو عدد قليل بالنسبة لمساحة القارة.
 ذلك أن معدل الكثافة السكانية لم يكن يفوق ساكنا واحدا في الكيلومتر المربع.
 وهم يتوزعون بشكل غير منتظم إذ يتجمع جل السكان على سواحل المحيط الأطلسي في البرازيل و لابلاطا أو على الهضاب طول سلسلة الانديز من جهات المحيط الهادي.
وبين هاتين الجهتين تمتد مساحات شاسعة تكاد تكون خالية من السكان.
والساكنة شديدة الاختلاف والتنوع، يوجد بين فئاتها تناقض تام، ففي مستعمرة (اسبانيا الجديدة) ظهرت تباين شديد بين هذه الفئات.

-- ففي قاعدة الهرم الاجتماعي شكل الهنود حوالي 10,000,000 من السكان الأصليين لأمريكا اللاتينية.
و تضاءل عددهم بسبب الاوبئة والحروب، وكانت لهم حضارات وإمبراطوريات قديمة مثل امبراطوريتي الانكا و الازتيك، غير ان عملية الاحتلال الاسباني قضت عليهما.
وبالإضافة إلى الهنود بلغ عدد السود ذوي  الأصل الافريقي حوالي 3 ملايين في البرازيل و 800.000 في المستعمرات الإسبانية سنة 1800. وكون هؤلاء اليد العامل الضرورية لاستغلال الأرض والمناجم، وعاشوا عيشة مضنية كما هو الحال بالنسبة للهنود.

-- بعد هؤلاء يأتي المولدون ذوو الدم المختلط (ميتيس) الذين ينتسبون إما إلى  بيض و هنود حمر او الى بيض وزنوج تزاوج فيما بينهم.
وهم ايضا يعيشون في وضعية سيئة لكنهم يستغلون السود والهنود الذين يعملون تحت أوامرهم.
-- وفي أعلى الهرم نجد المولدين البيض (créoles)، وهم أحفاد المهاجرين الاوروبيين الاوائل، وبلغ عددهم عند نهاية القرن الثامن عشر حوالي 4 ملايين.
و هم شديدو الاعتزاز باصلهم وبصفاء دمهم، ويمتلكون مساحات شاسعة من الأراضي ويسكنون المدن بينما يسخرون الفئات الاخرى لخدمتهم.
 وبدأ هؤلاء البيض يضيقون من وصايا (الوطن الأم) التي كانت تحرمهم كل الحريات و يشمئزون من سياستها الاستغلالية لهم.
 وأصبحوا يشعرون بان مصير أمريكا اللاتينية يهمهم وحدهم دون غيرهم.

ج / تزعم المولدون البيض حركة التحرير

استقر هؤلاء البيض منذ عدة أجيال فوق ارض اعتبروها ارضهم ولم يفكروا أبدا في العودة الى بلادهم الاصلية.
 كما امتلكوا زمام الاقتصاد في أمريكا اللاتينية وملكوا ضيعات شاسعة وعددا كبيرا من العبيد وكونوا كذلك النخبة المثقفة في البلاد والمنفتحة على أفكار القرن بفضل ترددهم على الجامعات في مكسيكو و ليما و بوكوطا، حيث تعددت الصحف والأندية الادبية.
كما تشبعت هذه الفئة بمبادئ الثورتين الفرنسية والامريكية.
وكانت ترى نفسها بعيدة عن المناصب الإدارية والسياسية، لذلك تدمرت هؤلاء الإسبانيين والبرتغاليين الذين كان عددهم ،300000 الذين كانت ترسلهم (الأوطان الأم) ليشغلوا المناصب في الحكومة أو في الكنيسة.
وكان لانتشار أفكار الفلاسفة الأوروبيين دوره في نشوء هذه الحركات التحررية، فأقام عدد كبير من المثقفين البيض بأوروبا حيث اطلعوا على كتابات الفرنسيين والبريطانيين وتأثروا بهم فأدركوا الحاجة إلى إصلاحات شاملة لأوضاع أمريكا اللاتينية.
 وهكذا نجد بوليفار محرر أمريكا اللاتينية قد تلقى تربيته حسب أفكار جان جاك روسو، كما نجد ميراندا رائد التحرير صديقا لقادة الثورة الفرنسية و جنديا من جنودها.
 لهذا سيحاول هؤلاء الأمريكيون تقليد المثال الذي قدمته لهم كل من فرنسا وأمريكا الشمالية وسيعملون على تحرير شعوبهم.

المراحل الأولى لحركات التحرير 1818-1824.

كان الغزو النابليوني لإسبانيا والبرتغال بمثابة الشرارة الأولى التي استغلها الثوار في جنوب أمريكا لإعلان استقلالهم منذ 1808.

أ / بعد احتلال نابليون للبرتغال وإسبانيا ثارت المستعمرات في جنوب أمريكا.

لما حاول نابليون بونابارت في صراعه ضد انجلترا أن يغلق في وجهها اسواق اوروبا ويفرض عليها الحصار القاري، رفضت البرتغال الصديق القديمة لانجلترا الخضوع لرغبته، فأرسل جيوشه الى البرتغال في نهاية 1807 واحتلها.
 ففرت العائلة المالكة البرتغالية وحكومتها الى مستعمرتها البرازيل واستقرت بها، وهكذا نرى كيف أنه نتيجة للتدخل النابليوني انتقل مركز الحكم في الامبراطورية البرتغالية من البرتغال إلى البرازيل حيث سيستمر طوال السيطرة الفرنسية على أوروبا.
أما المستعمرات الإسبانية فقد اتبعت طريقا مخالفة للتي سارت عليها البرازيل نحو الاستقلال.
 ففي مايو 1808 استولى نابليون بونابرت على زمام الأمور في اسبانيا وفرض أخاه جوزيف ملكا عليها، وحرص نابليون على نيل تأييد واعتراف المستعمرات الاسبانية لأخيه جوزيف غير أن السكان في أمريكا اللاتينية بقوا على ولائهم لفرديناند السابع ملك اسبانيا المعزول ثم سرعان ما تحولوا إلى دعاة الاستقلال والتحرر من قبضة الملك الاسباني نفسه.

ب / فشلت المحاولات التحريرية الاولى 1810 - 1815.

كانت نتيجة احتلال شبه جزيرة ايبيريا واعتقال الملك الاسباني من طرف الجيوش النابليونية، انفصال المستعمرات عن مدريد، وأصبحت هذه المستعمرات تبتعد شيئا فشيئا عن الوطن الأم.
 وتحولت عملية الانفصال الشرعية إلى حرب انفصالية تحررية كان هدف المولدين البيض من ورائها هو الحلول محل نواب الملك الاسباني ومسيري إداراتهم، ووقعت انتفاضة ثورية في فنزويلا أطاحت بالوالي الاسباني وأقامت لجنة ثورية حاكمة اعلنت الاستقلال بقيادة ميراندا يوم 5 يوليو 1811. كما حدثت ثورات أخرى في لابلاطا والمكسيك.
وخشيت طبقة البيض سيطرة السكان الأصليين في حالة حصول أمريكا اللاتينية على استقلالها، وفضلوا البقاء على ولائهم للملك الإسباني الذي كان يضمن له التحكم في جماهير الهنود الحمر، وهكذا اندلعت حرب أهلية ما بين سنوات 1810 و 1814 بين الأقلية الموالية لاسبانيا والاغلبية المؤيدة لفكرة الاستقلال وعلى رأسها بوليفار من الشمال الغربي لأمريكا الجنوبية وسان مارتان في نيابة الملك بلابلاطا.

وانتصر الثوار في كل مكان من امريكا اللاتينية وقضوا على الادارة الاسبانية والموالين لها ما عدا في نيابة الملك الاسباني ب ليما، غير أن عودة فرديناند السابع ملك اسبانيا المخلوع الى عرشه قلبت الكفة لصالح الاسبان حيث أرسل حملة عسكرية حققت له استرجاع نفوذ اسبانيا على مستعمراتها في جنوب أمريكا باستثناء منطقة لابلاطا.
وهكذا فشلت الثورة في هذه المرحلة الاولى بسبب التفرقة والمنافسات التي كانت تمزق صفوف جيوش المولدين البيض بالإضافة إلى عزلتهم وعدم مساندة كل من إنجلترا والولايات المتحدة لهم نظرا لانشغالهما بمشاكلهم الداخلية.
ج حالف النصر الثوار الأمريكيين في المرحلة الثانية ابتداءا من 1817.
بعد انتهاء الحروب النابليونية في أوروبا رفضت البرازيل الرجوع الى وضعيتها الاولى كاقليم بعيد خاضع لقرارات لشبونة، واضطر الملك البرتغالي الى الالتحاق بلشبونة ليستعيد بها سلطاته تاركا ابنه دون بيدرو كوصي عنه في ريودي جانيرو.
وهكذا تلاشت العلاقات بين البرتغال والبرازيل، وأعلن الاستقلال يوم سابع شتنبر 1822، ويوم 12 أكتوبر توج الدون بيدرو كاول امبراطور للبرازيل.
ولم يقبل البرتغال الأمر الواقع ويعترف باستقلال البرازيل إلا في شهر غشت من سنة  .
استقلال المستعمرات الأسبانية.

أما بالنسبة للمستعمرات الإسبانية فقد عمل العنف الذي وجه ضد الثوار وكذلك القيمة الشخصية لبعض القادة الجنوبيين مثل بوليفار و سان مارتان  على جمع صفوف الثوار وإحياء الحركة التحريرية.
ولد سيمون بوليفار في كاراكاس يوم 24 يوليوز 1783 ، وكان والده مولدا ابيض من كبار المزارعين، وتابع دراسته في مدريد، وقام برحلة عبر عواصم أوروبا تشبع خلالها بأفكار القرن الثامن عشر.
 وعاد الى وطنه سنة 1807 بعد إقامة قصيرة في الولايات المتحدة عازما على تحرير بلاده من نير إسبانيا.
ووضع كل ثروته في خدمة الثورة وتلقب بالمحرر بعد تحريره لكاراكاس ثم أسس في 1819 دولة كولومبيا الكبرى التي تضم فنزويلا وغرناطة الجديدة و جمهورية كولومبيا، وانضمت الإكوادور بدورها إلى هذه المجموعة.
 كما اشتهر من بين قادة التحرير سان مارتان الذي ساهم في استقلال الشيلي 1818 والبيرو سنة . 1821

استقلال المكسيك

وفي المكسيك انفجرت الثورة بقيادة أحد الضباط غيريرو، وقد أجرى معه الجنرال ايتوربيد المكلف بمحاربته مفاوضات، اقترح بعدها على مدريد تتويج أمير اسباني في مكسيكو شرط الاعتراف بالمساواة بين الهنود والاوروبيين.
 ولما قوبلت هذه المقترحات بالرفض، أعلن ايتوربيد نفسه امبراطورا على المكسيك سنة ،1822 لكنه أجبر على الابتعاد عن الحكم واعدم بعد فشل محاولة له باستعادة الحكم مرة ثانية.
 وبذلك أصبحت المكسيك جمهورية مستقلة سنة 1824، فقدت اسبانيا كل مستعمراتها في أمريكا الجنوبية  باستثناء كوبا وبورتوريكو.
وهكذا استقلت جل دول أمريكا اللاتينية غير أن هذا الاستقلال لقي عدة عقبات منها عرقلة مساعي الوحدة من طرف انجلترا والولايات المتحدة، واستمرار المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في جنوب أمريكا.

نتائج حروب التحرير.

أ / ساندت كل من إنجلترا والولايات المتحدة ثوار جنوب أمريكا ثم عملت على عرقلة وحدة القارة.

كان الثوار يتلقون التأييد سريا من طرف انجلترا التي كانت ترى مدى الأرباح التي سيجلبها من اسواق امريكا اللاتينية الشاسعة  إذا ما تحررت تماما من القيود الاستعمارية.
 لهذا سهلت انجلترا تموين الثوار الامريكيين بالأسلحة والعتاد، واعترفت بالدول الامريكية الجديدة بعد سنة 1823.
أما الولايات المتحدة فكانت تريد تجنب وقوع أي تدخل عسكري بحري للقوات الأوروبية في القارة الامريكية، لهذا جاء تصريح الرئيس مونرو 2 دجنبر 1823 يتضمن التهديد الضمني المزدوج لكل من إنجلترا والولايات المتحدة ضد كل تدخل اوروبي في أمريكا اللاتينية، ويتمم عزلة اسبانيا.
وكان هذا التصريح يعني أن كلا القارتين الاوروبيه والامريكيه يجب ان تحذر التدخل في شؤون الأخرى، ويتلخص في مبدأ أمريكا للأمريكيين، غير انه كان يعلن ايضا ان الولايات المتحدة ستدافع عن مصالحها في كل مكان ويتضمن أطماعها التوسعية.
كما عارضت الولايات المتحدة وانجلترا فكرة توحيد أمريكا اللاتينية وخصوصا انجلترا التي كانت ترفض تكوين وحدة سياسية وقوة اقتصادية كبيرة في هذه البلاد، هذه الوحدة التي ستكون قادرة على أن تفرض على انجلترا وغيرها علاقات في اطار المساواة.

ب / فشلت محاولات التوحيد بسبب انقسام زعماء التحرير ومواقف الدول الكبرى.

حاول بوليفار أن يجمع شتات أمريكا اللاتينية ويوحد الجمهوريات المستقلة بشكل يوازن نفوذ أمريكا الانجلوساكسونية الشمالية ويمكنه من مواجهة تهديد أوروبا الدائم لها.
 فاستدعى كل دول القارة الامريكية بما فيها البرازيل والولايات المتحدة للاجتماع في مؤتمر باناما لدراسة المسألة، واجتمع المؤتمر في يونيو ويوليوز 1826 وانتهى بالفشل: ذلك أن أربعة دول فقط كولومبيا وأمريكا الوسطى والبيرو والمكسيك هي التي بعثت ممثليها إليه، واتخذ ممثلو هذه الدول قرارا بالوحدة المستمرة و هيئوا مشروع تكوين جيش اتحادي، لكن هذه القرارات لم تصادق عليها في النهاية سوى بوليفيا.

ويرجع فشل جميع محاولات التوحيد الى عدة اسباب منها الموقف الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية، التي رأت في توحيد أمريكا الجنوبية منافسة لقواتها، وكذلك انجلترا التي تآمرت ضد الوحدة فحاولت تخويف بوليفيا.
 كما نجحت انجلترا في إقناع البرازيل والارجنتين بمقاطعة مؤتمر باناما.
ونتج عن ذلك انقسام كولومبيا الكبرى على نفسها بعد وفاة بوليفار، كما تجزأت جمهورية أمريكا الوسطى الى عدة دول، وهكذا انبثقت عن حروب التحرير 19 دولة بعد تكوين باناما سنه 1903.

ج / بقيت المشاكل الاجتماعية والاقتصادية قائمة.

عجزت الدول المستقلة عن القيام بالإصلاحات العميقة للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي عانت منها خلال ثلاثة قرون من الاحتلالين الإسباني والبرتغالي، ذلك أن التناقضات الاجتماعية  بقيت قائمة.
فظروف عيش الملايين من السود والهنود لم تعرف تحولات تذكر، بل على العكس استمرت تجارة الرقيق في البرازيل، واتضح أن الاستقلال كان لصالح فئة واحدة هي فئة المولدين البيض، فقد أعطت الثورات الحكم والأرض لهؤلاء وحلوا محل الاقلية التي كانت تسند إليها السلطات  خلال الاحتلالين الإسباني والبرتغالي، كما سيطروا على مساحات شاسعة من الأراضي: ففي الشيلي نجد 600 شخص يقتسمون نصف مساحة البلاد غداة الاستقلال.
ولم تكن الوضعية الاقتصادية بأحسن حالا: فاستغل كبار الملاكين الإقطاعيات حسب الأساليب الفلاحية العتيقة، بينما لم تشهد المنطقة اية بداية للتصنيع، على أن أكبر مستفيد من هذه الوضعية الاقتصادية هو انجلترا التي أصبحت أهم زبون لدول المنطقة، تصدر إليها المواد المصنعة وتستورد منها منتجاتها الفلاحية، وبذلك أصبحت تراقب لمدة تزيد على قرن كل النشاط الاقتصادي لأمريكا الجنوبية، ثم حلت محلها الولايات المتحدة، وكان لهذه الحالة أثر كبير في انعدام الاستقرار السياسي في دول أمريكا اللاتينية التي عرفت انقلابات وصراعات على السلطة يعود اصلها الى كون حركة التحرير قد ارتكزت على زعماء عسكريين، وفشلت في توحيد أجزاء القارة، مما مهد التربة لخلق أنظمة ديكتاتورية تدعمها الاطماع الاجنبية.

وهكذا نرى أن أمريكا اللاتينية قد أحرزت على استقلالها من الاستعمار المباشر الايبيري ولكنها فشلت في تحقيق وحدتها بسبب استمرار الفوارق الاجتماعية الحادة بين فئات سكانها، وتوجه القوى الامبريالية الغربية نحو ابتزاز خيراتها وعرقلة مساعي تقدمها.

قد يهمك ايضا

  1. الخواص الأساسية للأمبريالية الأروبية - European imperialism
  2. المذاهب الفكرية الجديدة - المـذاهب الاشتراكية - Socialist doctrine
  3. المجتمع الرأسمالي والحركة العمالية في أروبا الغربية 
  4. التحولات الإقتصادية في اروبا || ثانيا: إزدهار القطاعات الإقتصادية
  5. التحولات الإقتصادية في اروبا || ثالثا: تطور أساليب القرض
  6. أروبا والعالم في مطلع القرن التاسع عشر
  7. التحولات الاقتصادية في اوروبا || أولا: التطور الديموغرافي وتقدم وسائل المواصلات
  8. الوحدتان الايطالية والالمانية
  9. الحركات الثورية في أوروبا 




إرسال تعليق

أحدث أقدم