التحولات الإقتصادية في اروبا تطور أساليب القرض

شهدت القارة الاوربية تطورات مهمة اقتصادية في اواخر القرن التاسع عشر.

 التحولات الإقتصادية في اروبا، تاريخ العالم.

ثالثا : تطور أساليب القرض.

اقترن ازدهار الاقتصاد الرأسمالي بأوربا خلال القرن التاسع عشر بتوظيف كميات ضخمة من الاموال انحدر جلها عن الارباح التـي تراكمت لدى التجار الاوربيين نتيجة لسيطرتهم على المبادلات العالمية منذ القرن السادس عشر، ونتيجة لاستغلال المستعمرات الافريقية والاسيوية والامريكية.


التحولات الإقتصادية في اروبا


 وتحتم على البورجوازية الصناعية تطوير أساليب القرض فظهرت أشكال جديدة من الشركات، وتعاظم دور الابناك في تنشيط مختلف قطاعات الانتاج.

1 ـ تطور أشكال الشركات وتعقد دور الابنـاك

تطور أشكال الشركات وتعقد دور الابنـاك في أوروبا.

ا ــ من شركات الاشخاص الى شركات الرساميـل 

كانت المشاريع التجارية والصناعية تنبني فيما سبق على الثروة الفردية أو العائلية لكن الصناعة الحديثة، باعتمادها على الآلات والمعامل الضخمة ، أصبحت تتطلب مصاريف باهضة.

لذلك تحتم تجميع رؤوس الاموال الضرورية، فتبلورت أشكال جديدة من الشركات. ويمكـن التمييز بين صنفين :

- شركـات الاشخـاص :

وتسمى أحيانا « الشركات ذات الاسم الجماعي ». وتعرف باسم مؤسسهـا أو باسم أحـد أعضائها، وعدد هؤلاء محدود. وهم يشاركون في تكوين رأسمال الشركة وفي تسييرها، ويلتزمون بتسديد ديونها المحتملة من مجموع ثروتهم الخاصة وليس فقط بالمقدار الذي ساهموا به في انشاء الشركة.

مشروع عقد حرر سنة 1873 لشركة ( ميكولي وشركائه » :

1 - « يشترك المسمّون أعلاه في اسم جماعي من أجل صنع وتجارة ... الاقمشة الملونة ، والاقمشة البيضاء ، والاقمشة القطنية ، والاقمشة الحريرية ، ومنتوجات أخرى من نفس المضمار، وكذلك من أجل الاستغلال المشترك للعقارات التي يملكونهـا بصفة غير قابلة للتجزئة.
2 - عقدت هذه الشركة – واصبحت نافذة المفعول منذ فاتح يناير - لمدة غير محدودة ...
3 - عين مقر الشركة « بهيريكور».
4 - سيكون الاسم التجاري (( ميكو لي – نوبلو وشركاؤه » وهو الاسم الذي تحمله الشركة منذ تاسيسها.
5 - حد راس مال الشركة بمليون و احد؛ وسيدفع كل شريك الربع ...
6 - سيكون نصيب كل شريك الربع، وتحمل الخسارات وتوزع الارباح بنفس النسبة »
مترجم عن : فوهان - « شركة عائلية في القرن التاسع عشر » – باريس 1955 .

وضم هذا النوع من الشركات أحيانا أعضاء ساهموا في الرأسمال دون أن يتحملوا مسؤولية التسيير، وهم لا يراهنون الا بما قدمـوه للشركة من مال عند انخراطهم فيها.

ـ شركات الرساميل : أو « الشركات المجهولة الاسم » ، وهـو الشكـل الاساسي للشركات الرأسمالية منذ القرن التاسع عشر. ظهرت القوانين المنظمة لها في سنة 1856 بانجلترا، وفي سنة 1863 بفرنسا وفي سنة 1870 بألمانيا. و اتجهت هذه الشركات الى أكبر عدد من الموفرين اذ يتكون رأسمالها من أسهم وهي أقساط على شكل رسوم تروج في أسواق القيم ( البورصات ).
فالمساهم لا يراهن في الشركة الا بما وظفه على شكل أسهم، وفي نهاية كل سنة يحصل على جزء
من الارباح يطابق حصته من الرأسمال أي عدد الاسهم التي يمتلكها . ويسهرعلى تسيير الشركة مجلس اداري ينتخبه الجمع العام السنوي للمساهمين. وبما ان كل مساهم يتوفر على عدد مـن الاصوات يساوي عدد أسهمـه، فان التسيير الفعلي يكون في الواقع بيد كبار المساهمين.

ب ـ تجـاوزت الابنـاك دورهـا التقليـدي

لم تكن الابناك ظاهرة جديدة، لكن النشاط المصرفي كان فيما قبل يقتصر على حراسة الاموال المودعة وضمان نقلها بين أماكن مختلفة، وأحيانا على تقديم مساعدة مالية لرؤساء الدول.
وكان هذا الدور منوطاً ببعض العائلات التي اكتسبت خبرة طويلة. وفي القرن التاسع عشر اقتضى تمويل المشاريع الصناعية الجديدة ادخال تغييرات على الابناك فيما يخص تكوينهـا ووظيفتهـا.

فقد احتفظت أبناك عديدة بشكلها العائلي التقليدي، وكانت أهمهـا تكتسح معظم بلـدان أوربا. ومن أشهر العائلات البنكيـة: « روتشلید » و « میرابو» و « لازار » و « أمشيل».

وظهرت أبناك جديدة تم تأسيسها على نمط الشركات المجهولة الاسم ، ففي فرنسا مثـلا « الشركة العامة » ( 1864 ) و « الاتحاد العام » ( 1878 ) .

وأصبحت الابناك، بجانب دورها التقليدي المتمثل في الايداع، تلعب دورا حيويا في حركة التصنيع، وذلك عن طريق أنواع متعددة من العمليات : فهناك القرض القصير المدى، لا تتعدى مدة استرجاعه ثلاثة أشهر. ويستفيد منه صغار التجار مثلا. أما المتوسط والطويل المدى فيقدمان الى المؤسسات الصناعية لمساعدتها في التجهيز وفي شـراء المـواد الاوليـة . وأصبـح يساهم أحيانا بنفسه في الاستثمار ففي سنة 1845، أسس بنك روتشيلد « شركة السكك الحديدية

للشمال » قصد بناء خط حديدي يصل باريس با لحدود البلجيكية. وفي الثلث الاخير من القرن التاسع عشر ظهرت أبناك مختصة في الاستثمار ، سميت بأبناك الاعمال « كبنك باريس والاراضي المنخفضة » الذي أنسس سنة 1872 وساهم في مختلف الصناعات: ( الكهرباء و المطاط و الراديو....).

وظهرت أشكال جديدة من العملة. وساهم اكتشاف مناجم الذهب بكاليفورنيا وأوستراليا ( في سنوات 1848 – 1850 ) في توفير الامكانيات النقدية. وأصبح اصدار العملة من اختصاص الابناك المركزية الخاضعة للتسيير الحكومي: بنك فرنسا وبنك انجلترا مثلا. وزيادة على قطع النقود المعدنية، عم تداول الاوراق النقدية والشيكات البنكية.

2 ـ التـركـز الراسمالي

ا ـ يعود التركز الى عوامل متعددة

انتقل النظام الرأسمالي تدريجيا من نظام المنافسة الحرة الى نظام احتكاري تهيمـن فـيـه شركات ضخمة قليلة العدد. فقد دفعت عدة عوامل الى اندماج الشركات: فالارتفاع المستمر لاثمان التجهيزات جعل من الضروري توفير رساميل كبيرة. ثم ان الشركـات في بدايـة عـهـد الرأسمالية كانت تتزاحم فيما بينها للتقرب من المستهلكين، وذلك عن طريق تخفيض الاثمان. وفي وقت معين تعجز بعض الشركات عن متابعة حركة التخفيض تلك، لانها ترى أرباحها تتضاءل،

فينتج عن ذلك ايقاف « حرب الاثمان » باندماج بعض الشركات أو اتفاقها حول مستوى الاسعار.

وخلال الازمات الدورية التي ينخفض فيها الانتاج وتنهار فيها الاسعار، تفلس الشركات الضعيفة فيتم « ابتلاعها » من طرف شركات أقوى.

ب - اتخـذ التركـز عـدة اشكـال

فعلى المستوى التقني يكون التركز أفقيا اذا اندمجت شركات لها نفس الاختصاص كأن تندمج مجموعة من معامل النسيج أو مجموعة من شركات النفط. ويكون التركز عمـوديا اذا توحدت مؤسسات ذات اختصاصات متكاملة. فقد كانت شركة « كروب » الالمانية ، وهي نموذجية في هذا المضمار، تضم مناجم فحمية، وأفرانا عالية ( صناعة الصلب )، ومعامل ميكانيكية، وأوراش السفن، وسكك حديدية، ومعامل لصنع المدافع. ويساعد هذا النوع من الاندماج على التقليل من مصاريف النقل اذ يقترن غالبا بتجميع جغرافي للمؤسسات المعنية.

واكتسـى التـركـز أشكـالا تـطـابـق في الواقـع مراحـل مختلفـة مـن تـطـور الرأسماليـة. فقـد تكونت في البداية التروستات التي تعوض الشـركـات المندمجة بشركـة جديدة ويصبح المساهم في احدى الشركات السابقة مساهما في التروست. وتكونت التروستات بالولايات المتحدة قبل أن تنتشر في أوربا الغربية. ومن أهم التروستات الامريكية في ميدان النفط « ستاندار أويل » الذي يرأسه « روكفلير » . كما أن « كارنيجي » ، الذي كان يهيمن على فولاذ الولايات المتحدة كان يدعى « ملك الفولاذ »، لان شركته كانت تنتج من المادة المذكورة ما يساوي مجموع الانتاج الانجليزي. وكمثال من التروستات الاوربية نذكر « رويال دوتش شال » وهو انجليزي ـ هولندي.

وكانت الكارتيلات أعلى شكل من التركز، وهي هيئات تتكون بين شركات تحتفظ باستقلالها المالي وتتفق فيما بينها حول الاسعار وتتقاسم الاسواق . ففي سنة 1896 بلـغ عدد الكارتيلات بألمانيا 250، وانتقل العدد الى 385 سنة 1905 وهي تضم آنذاك 12.000 مؤسسة صناعية يمثل مجموعها أكثر من نصف الطاقة التجارية والكهربائية. وخلقت الكارتلات عمـوما وضعية الاحتكار اذ تنتهي بها حركة انخفاض الاثمان بانتهاء التنافس.

ولم يقتصر التركز على الشركات، بل عم أيضا الابناك، خاصة في ألمانيـا وفي الولايات. ففي ألمانيا أصبحت أربع أبناك تسيطر على الحياة الاقتصادية عند نهاية القرن. ويقدر انه في سنة 1914 ، كانت خمس أبناك تساهم في تسيير 750 شركة بنفس البلد. ويبين الجدول التالي التركز البنكي الذي حصل في انجلترا في نهاية القرن التاسع عشر.

وهكذا تكونت شركات « التملك » « Holdings » وهي مؤسسات مالية تتحكم في تسيير عدة شركات عن طريق امتلاك كميات هامة من الاسهم فيهـا.

ج – مع احتداد التركز ، عرف المقد الثامن من القرن التاسع عشر ظهـور الراسماليـة المـاليـة:

انتقلت أوربا الغربية وكذلك الولايات المتحدة الامريكية الى عهد الرأسمالية المالية في الوقت الذي أصبحت فيه الصناعة خاضعة للاحتكارات ولهيمنة الابناك. فصارت بورصات لندن وباريس ونيويورك المركز العصبي للاقتصاد العالمي. ورغم كثرة المساهمين في الشركات، فمقاليد الاموال بيد حفنة من الاشخاص.

وكانت فرنسا من البلدان التي كان التركز فيها متأخرا بالمقارنة مع ألمانيا مثلا، وكان الاحتكاريون يوجهون الاوساط السياسية وفق مصالحهم.

( في ربيع 1881 ، نظم النائب البرلماني الجمهوري « كامبيتا » قبيل دخوله الى الحكومة، مأدبة عشاء حضرتها عدة شخصيات كان من بينها البنكي « روتشيلد » ) .

« كان الحديث دائرا بين « كامبيتا » ، السيد الحالي لفرنسا و (( روتشيلد)...

واخذ «الفونش دي روتشيلد، يتحدث عن رجال الدولة الايطاليين والانجليز. وكان (كامبيتا» يستمع اليه باعجاب ودهشة ... كان ( الفونس دي روتشيلد » يشرح باهتمام العمليـات المالية الكبرى التي ساهم فيها. وقد قال انه كان يعطف علي السيد ( نيز » ( رئيس الحكومة الفرنسية ما بين 1871 – 1873 ) وان هذا الاخير اتهمه ظلما بمعاداته ...  

وكان ((تيير)) يقول: ان «روتشيلد» هو الذي أطاح بي. فقاطع (كامبيتا» مخاطبه: قال لي ذلك. 

ورد ( روتشيلد » بحيوية: هذا خطأ ! لقد كان لي فعلا نفوذ على عدد كبير من النواب. وقد ظل (( تيير )) في منصبه بفضلي مدة تزيد بستة أشهر على التي كان سيقضيها بدون مساندتي.  كنت أقول لاصدقائي في البرلمان: « لا تطيحوا بالسيد ( تيير » سيكون ذلك كارثة عامة ...

انتظروا على الاقل انتهاء عمليات القرض. ان سمعة فرنسا وثروتها رهينتان بذلك. ولم اتخذ أبدا غير هذا الاسلوب ».

مترجم عن الكتاب المدرسي الفرنسي : ( 1789 - 1848 ).

مطبوعات بورداس - باريس،1970 .


واذا كانت أوربا الرأسمالية تصدر البضائع في فترة التنافس الحر فانها غدت تصدر أيضا رؤوس الاموال في فترة الاحتكارات. ذلك ان فائضا من الرساميل تكون بها. ولم تعد الابناك الكبرى تحصل على أرباح تقنعها، مما دفع بها الى البحث عن منافذ في البلدان والقارات التي لم تشهد ظهور الاقتصاد الرأسمالي. فأصبحت الابناك الاوربية تقدم قروضا ترجع عليها بفوائد هامة، في نفس الوقت الذي كانت فيه الاحتكارات تقوم باستثمارات في العالم غير المصنع. ففي ألمانيا مثلا أصبحت لـ « دوتش بنك » مصالح في تركيا: سكك حديدية في الجزء الاسيوي من الامبراطوية العثمانية وكذلك في الجـزء الاوربي وشركة التزام في القسطنطينية. ونجد شركـة « ستلايت » الانجليزيـة تمتلك مـزارع في افريقيا والفلبين ، وتشيد هناك معامـل لصنع الزيت وتقيم أساطيل للصيد البحري. فاقترنت اذن الرأسمالية الماليـة بـاشـتـداد التوسـع الامبريالي الأوربي في العقدين الاخيرين من القرن التاسع عشر.

ولن يكون التدخل العسكري في افريقيا وآسيا لفرض السيطرة الاستعمارية الاوربية سوى عملية هدفها حماية مصالح الاحتكارات التي أنشأت المناجم وطرق المواصـلات والابناك والتي قدمت القروض الى دول غالبا ما كانت عاجزة عن تسديدها. وقد عانى المغرب من نفس المسلسل الاستعماري، فألقى « بنك باريس والبلاد المنخفضة » شباكه على ماليـة المخـزن المغربي قبل أن تمضى اتفاقية الحماية سنة 1912 .

قد يهمك ايضا





إرسال تعليق

أحدث أقدم