اعتبر الخطأ L'erreur في البيداغوجيات التقليدية، فشلا أو عيبا يمكن أن يسمح بتصنيف ذكاءات البشر، فمنهم العبقري ومنهم الغبي، و منهم القابل للتعلم، ومنهم الفاشل في التعلم والمدرسة من حيث هي مؤسسة تكرس الفوارق بين الناجحين والراسبين، بين العباقرة والأغبياء الخ، تعمل من حيث لا تدري على تكريس الرؤيا السلبية للخطأ، بل يصبح الخطأ أساسا يخدم التمييز بين التلاميذ.
بيداغوجيا الخطأ Pedagogy of error
من هذا المنطلق نتساءل حول مفهوم الخطأ ودلالته التربوية بين التصور البيداغوجي التقليدي والحديث.كما نتساءل عن أهم مصادره وأنواعه.يتساءل المرء إلى أي مدى يمكن أن يكون الخطأ فعالاً في التعلم؟أي هل للخطأ وظيفة بيداغوجية إيجابية في مسار المتعلم الدراسي أم أنه يظل عاملا من عوامل الإفشال والإرباك الصفي ؟وكيف يمكن للأستاذ الممارس أن يتعامل مع أخطاء تلاميذه وتصحيحها بيداغوجيا وجعلها أداة إيجابية داخل الممارسة الصفية ؟كلها إشكالات سنحاول مقاربتها خلال العرض.
الجهاز المفاهيمي لفهم بعض المصطلحات البيداغوجية
يعتبر دوركايم البيداغوجيا بمثابة " النظرية التطبيقية للتربية" وتعني علم تربية الاطفال وعند مقارنتها بالتربية توحي بتوجيه الطفل ، وتهتم بمجال التنظير والتفكير حول تربية الاطفال.أما التربية فتهتم كذلك بالتوجيه ولكنها تتحدد على مستوى الممارسة والتطبيق وتكوين الطفل.وأخيرا فالبيداغوجيا هي دراسة التربية باعتماد منهج يتأسس على الوصف والتحليل والتشخيص والتجريب من أجل استخلاص قوانين وحقائق تمكن المربي من فهم الظواهر التربوية وتوجيهها واستثمارها في تنشئة الافراد.
الخطأ هو قصور لدى المتعلم في فهم أو استيعاب التعليمات المعطاة له من لدن المدرس ، يترجم سلوكيا بإعطاء معرفة لا تنسجم ومعايير القبول المرتقبة .ومن المنظور البيداغوجي الخطأ هو " حالة ذهنية أو فعل عقلي يعتبر صائبا ما هو خاطئ أو العكس " حسب ( Lalande , A. 1972) .
بيداغوجيا الخطأ
بيداغوجيا الخطأ مشروع تربوي يقوم على فرضية الصعوبات التربوية التي يواجهها المتعلم أثناء تنفيذ التعليمات المعطاة له في إطار نشاط تعليمي معين.إنه تمثيل منهجي لعملية التدريس والتعلم ، بناءً على اعتبار الخطأ استراتيجية تعليم وتعلم.
فهي استراتيجية للتعليم لأن الوضعيات الديداكتيكية تعد وتنظم في ضوء المسار الذي يقطعه المتعلم لاكتساب المعرفة أو بنائها من خلال بحثه ، وما يمكن أن يتخلل هذا البحث من أخطاء . وهي استراتيجية للتعلم لأنها تعتبر الخطأ أمراطبيعيا وإيجابيا يترجم سعي المتعلم للوصول الى المعرفة
المقاربات البيداغوجية للخطأ
المقاربات البيداغوجية للخطأ هي نهج يركز على دراسة الأخطاء التي يرتكبها المتعلمون أثناء عملية التعلم وكيفية التعامل معها من قِبل المعلمين والنظام التعليمي. تهدف هذه المقاربات إلى فهم الخطأ كجزء طبيعي من عملية التعلم واستغلاله كفرصة لتحسين التعلم والتطوير الذاتي.
وفيما يلي بعض المقاربات البيداغوجية الشائعة للخطأ:
البيداغوجيا التقليدية والخطا
يعتبر الخطأ في البيداغوجيات التقليدية سلوكا مشوشا وسوء فهم يجب إقصاؤه وعدم السماح له بالظهور في إنتاجات المتعلمين.
يعتبر الخطأ في البيداغوجيات التقليدية مؤشر عن خلل وظيفي ن يدل على الفشل بالنسبة للتلميذ .يجب محاربة الخطأ ويجب ألا يظهر.سنكرر الشرح أو الدرس إذا لزم الأمر.إذا تكرر الخطأ عند المتعلم ، يعيد السنة حتى يستوعب جيدا .
الخطأ سلوك يجب تجنبه وإقصاؤه ، وفي حالة وقوع بعض المتعلمين في أخطاء ، فالمسالة " حسب مؤسسي هذا المنظور" تعود للإختيار الديداكتيكي الذي تبناه الاستاذ في تقديم النشاط الدراسي .بمعنى أنه ثمة خطوة سلكها الاستاذ ليست في متناول المتعلمين الشيء الذي جعلهم يسقطون في أخطاء.
تساهم هذه البيداغوجية المرتكزة على الخطأ كإستراتيجية في التعلم على تشجيع المتعلم على طرح الأسئلة الجريئة والتي يراها ملائمة وعلى صياغة الفرضيات الجسورة والتساؤلات المقلقة حتى تلك التي تظهر غبية بدل بقائه صامتا ممتثلا وراضيا عما يقدم له .قول باشلار ( 1884 - 1962 ) " لا تحدث معرفة إلا ضد معرفة سابقة لها " وهو يقصد بهذا أنه لا يمكن الحديث عن أي تعلم إلا إذا انطلق من معارف سابقة بتصحيحها وبناء معرفة جديدة قد تكون بدورها أساسا لمعرفة أخرى وهكذا دواليك .فتغدو المدرسة بهذا المعنى فضاء لارتكاب الأخطاء دون عواقب .والمتعلم المحظوظ هو الذي يرتكب أكبر قدر من الأخطاء داخل الفصل الدراسي لأنه يستطيع تحليلها وتصحيحها لبناء أكبر قدر من المعارف وكذا عدم تكرارها خارج الفصل .
إن البنايات المعرفية للمتعلم في الوضعية الأولى تتسم بنوع من التصدع تجعل عملية الفهم عسيرة مما يتيح المجال واسعا للخطأ فيتم التعامل مع هذه الاخطاء كمراحل أساسية لا يمكن الاستغناء عنها لبناء المعرفة ، إذ تتدخل الذات عبر عمليتي الاستيعاب والملاءمة لتحقيق الفهم وتجاوز حالة التشويش والارتباك التي تنتاب الذات .
يعتبر بياجيه ( 1896 - 1980 ) " الخطأ شرطا للتعلم " ، فعملية الموازنة من خلال التصور البنائي للتعلم هو انتقال من وضعية " اختلال التوازن " إلى وضعية " التوازن " ، وهذه الصيرورة الدائمة ضرورية للفهم.
أثناء التعلم من الطبيعي أن يخطئ المتعلم ، الخطأ ليس عيبا ، إنه سلوك طبيعي ، وينبغي للاستاذ أن يشعر المتعلم باهتمامه بالأخطاء التي يرتكبها وانه يرغب في مساعدته على تجاوزها.
الخطأ بالنسبة للمدرس هو وسيلة تتيح له التعرف على تمثيلات المتعلمين وإنجازاتهم السابقة في التعلم المستهدف.
مبادئ بيداغوجية الخطأ
- الخطأ التربوي لا يعني الافتقار إلى المعرفة ، بل يعني المعرفة المضطربة التي يجب على المرء الاعتماد عليها لبناء المعرفة الصحيحة.
- الخطأ شرط التعلم .
- لا يمكن تفادي الخطأ في صيرورة التعلم .
- الخطأ خاصية إنسانية .
- من حق المتعلم أن يخطأ .
- الخطأ ذو قيمة تشخيصية .
- المتعلم هو الذي يكتشف أخطاءه بنفسه ويصححها ذاتيا مما ينمي لديه قيمة الثقة بالنفس واتخاذ القرار .
مصادر الخطا
للأخطاء التي يقع فيها المتعلمون أثناء سيرورة تعلمهم عدة مصادر ، يعتبر استيعابها بالنسبة للمدرس ذا أهمية قصوى في تغيير رؤيته للخطأ ولطريقة التعامل معه ، خصوصا في الإعداد للأنشطة الداعمة نذكر من هذه المصادر.
- يمكن أن يخطئ الطالب لأننا ندعوه للقيام بعمل يتعدى قدراته العقلية وخصائصه العاطفية المميزة لمرحلة التطور التي يعيش فيها.
- قد تنتج الأخطاء عن غياب الإلتزام بمقتضيات العقد الديداكتيكي القائم بين المدرس والمتعلم إزاء المعرفة المدرسة ( غياب أو لبس في التعليمات المحددة لما هو مطلوب من المتعلم ) .
- يقصد بالمصدر الإستراتيجي الكيفية التي يتبعها أو يسلكها التلميذ في تعلمه وإنجازه .
- ويقصد به تعقد وصعوبة المعرفة أو المفهوم الذي يقدمه المدرس قد يكون مصدرا لوقوع المتعلم في الاخطاء .
- إن الأسلوب أو الطريقة المتبعة في التدريس قد تجر التلميذ لارتكاب الخطأ ، إضافة إلى المحتويات وطبيعتها ، والأهداف ونوع التواصل القائم والوسائل التعليمية وتكوين المدرس .
إستراتيجية تجاوز الخطأ
- تشخيص الخطأ ورصده .
- إشعار المتعلم بحدوث الخطأ ، وهنا لا ينبغي إغفال الخطأ والتنكر له واتخاذ موقف سلبي اتجاهه ن بل لابد من الرفق بالتلميذ المخطئ والإلتزام بحقه ي الوقوع في الخطأ .
- تصنيف الخطأ فمثلا في الرياضيات ن يمكن تصنيف الخطا الى خطأ في العد ، خطأ في الحساب ، خطأ في القياس .
- تفسير أسباب الخطأ التي دفعت المتعلم الى ارتكابه ، أي هل هو ناتج عن تداعيات ابستمولوجية أم تعاقدية أم يعود الى المتعلم نفسه .
- معالجة الخطأ ، على المدرس أن يظل يقظا حتى يساعد متعلميه على التخلص من الأخطاء ، والنهج الوجيه في تصويب الخطأ يتم بتولي صاحبه تصحيحه بنفسه .
ملاحظةإن تعيين الخطأ يسهل على المتعلم عملية اكتشاف الخطأ بسرعة ، أما عملية تحديد الخطأ فهي تندرج في إطار جعل المتعلم يميز بين الأخطاء ويفكر في إيجاد الصواب البديل عنها ، انطلاقا من إدراكه لخصوصية الخطأ.
أدوات لتتبع الأخطاء في مادة الرياضيات
الملاحظة والتتبع اليومي
- يمكن رصد أخطاء المتعلمين من خلال التتبع اليومي أثناء تقديم إجابات شفهية كانت أو كتابية ، على الألواح أو على السبورة ، لذا ينبغي التدخل في الوقت المناسب لمعالجة الخطأ بعد تحديد مصدره.
- كما يجب الحرص على ترك الفرصة للمتعلمين للتعبير عن أخطائهم من خلال إشراك الجميع أثناء بناء التعلمات عوض التركيز على فئة المتفوقين دون غيرهم.
- لأن الخطأ من وجهة نظر طرق وبيداغوجيات التدريس الحديثة هو مؤشر على وجود دافع للتعلم ، فهو بالأحرى نقطة انطلاق للتعلم واستراتيجية تعليم وتعلم.
لهذا يمكن اعتماد دفتر لتسجيل الأخطاء وتصنيفها :واستعمال شبكات تضم أسماء المتعلمين وطبيعة الأخطاء المرتكبة على أساس تفريغ النتائج وتحديد نسب تكرار الأخطاء وذلك لإقتراح أنشطة المعالجة المناسبة خلال فترات الدعم والمعالجة .
- أخطاء منتظمة .
- أخطاء منعزلة.
- أخطاء دالة .
أنتاجات المتعلمين
- من خلال إنجازات المتعلمين الكتابية على الدفاتر ، يمكن للمدرس أيضا رصد الأخطاء المرتكبة وتدوينها على أساس تصنيفها حسب صعوبتها ، والبحث عن مصادرها قصد اقتراح الأنشطة المناسبة لتجاوزها .
- لذلك ينبغي الحرص على مراقبة دفاتر المعلمين والتأكد من عملية التصحيح والوقوف على الأخطاء المرتكبة بدقة ورصدها ، وكذلك انطلاقا من أوراق التحرير الخاصة بالمراقبة المستمرة .
خاتمة
إذا انتهينا إلى اعترافنا للطفل بالحق في الخطأ فإننا لا ننكر عليه في ذات الوقت واجب الاستفاذة منه لذلك علينا إعادة النظر في طرق تعاملنا مع الاطفال والوعي بضرورة فهم أخطائهم .